منطقي بينهما، وإنّما يدّعي ما يمكن أن يجتمع مع صحّة دعوى المدّعي، ولكن في نفس الوقت احتمال التنافي بين واقع الأمرين موجود، وذلك كما لو ادّعى المدّعي الملكيّة، وقال ذو اليد: إنّي ورثته من أبي، ولا أدري كيف كان أمره، فهنا يكون المنكر شبيهاً بمن لا ينكر مدّعى الخصم وإنما يدّعي الإرث؛ إذ لا تكاذب منطقي بينهما؛ لإمكان الجمع بينهما بأن يكون هذا ملكاً للمدّعي قد غصبه أبو المنكر _ مثلاً _ والمنكر وَرِثه من أبيه، وفي نفس الوقت احتمال التنافي بين ما يقوله المدّعي لو كان صادقاً وما يقوله المنكر موجود، بأن لا يكون الأب هو الذي غصبه؛ إذ ملكيّة المدّعي تساوق عندئذٍ غاصبيّة المنكر مثلاً، واليد _ طبعاً _ أمارة على خلاف ذلك. ومن هنا نقول: إنّ هذا منكر، ولكنّه في نفس الوقت شبيه بالمدّعي. أمّا لو صرّح المدّعي بأنّ أبا هذا الرجل هو الذي غصب المال منّي مثلاً، فقد انتفى كلّ احتمالات التنافي بين الأمرين، وهنا تنفذ بيّنة المدّعي، ولا تنافي بين البيّنتين ولو على مستوى الاحتمال بالمعنى الذي عرفت.
وعلى أيّ حال ففي الفرض الأول الشبيه بباب التداعي _ وهو فرض ما لو قال المدّعي: إنّ هذا ملكي، وقال ذو اليد: إنّي ورثته من أبي ولا أدري كيف كان أمره، ولم يستحكم التكاذب بينهما؛ لعدم دعوى المدّعي كون المال مسروقاً من قِبَل نفس ذي اليد مثلاً _ قد دلّ النص على أنّه لو كان أحدهما أكثر بيّنةً يوجّه الحلف إليه، وهو ما ورد عن أبي بصير _ بسند تام _ قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الرجل يأتي القوم، فيدّعي داراً في أيديهم ويقيم البيّنة، ويقيم الذي في يده الدار البيّنة أنّه ورثها عن أبيه، ولا يدري كيف كان أمرها؟ قال: أكثرهم بيّنةً يُستحلف وتدفع إليه، وذكر أنّ عليّاً (عليه السلام) أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البيّنة لهؤلاء أنّهم أنتجوها على مذودهم ولم يبيعوا ولم يهبوا، وقامت البيّنة لهؤلاء بمثل ذلك، فقضى (عليه السلام) بها