المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

591

ويرد عليه: أنّ قوله: «اليمين على من ادّعي عليه» قد دلّ بإطلاقه على أنّ المنكر عليه اليمين _ سواء أقام بيّنةً أو لا _ وهذا يدل لا محالة على عدم كفاية البيّنة لإثبات ما يريده المنكر؛ إذ لو كفت لما احتجنا إلى يمين المنكر.

نعم هذا لا يعني سقوط بيّنته عن الاعتبار نهائياً بأن لا تصلح لمعارضة بيّنة المدّعي؛ كي يكون هذا رجوعاً إلى الاحتمال الأول، ولكنه يعني أنّ بيّنته ليست كبيّنة المدّعي كافيةً وحدها لإثبات المطلوب.

أمّا دلالة المقام لجملة «البيّنة على المدعي» فلو تمّت على الحجّية القضائية للبيّنة _ لا الذاتيّه فحسب _ فإنّما تتمّ لولا قوله: «اليمين على من ادّعي عليه» فإنّ هذا منعٌ _ لا محالة _ عن الحجّية القضائية لبيّنة المنكر، وإنّما ارتكاز العقلاء على حجّية البيّنة، فلو تمّ على الحجّية القضائية بالنسبة للمنكر فهو مردوع عنه بقوله: «اليمين على من ادّعي عليه».

الثالث _ ما هو مقتضى التحقيق في المقام، وهو أن يقال: إنّ بيّنة المنكر ليست ساقطة عن الاعتبار نهائياً كما هو الحال على الاحتمال الأول، ولا هي حجّة قضائيّاً كما هو الحال على الاحتمال الثاني، وإنّما هي حجّةٌ حجّيةً ذاتيةً، أي بالحجّية الثابتة قبل القضاء، والحجّية الذاتية غير الحجّية القضائية، فربّ شيءٍ يكون حجّةً ذاتاً، وليس حجّة قضاءً كاليد، وربّ شيءٍ يكون حجّةً قضاءً وليس حجّةً ذاتاً كاليمين، والرواية دلّت بإشارة المقام على أنّ البيّنة التي هي حجّة ذاتاً عند العقلاء وكاشفة عن الواقع بحدّ ذاتها تكون في باب القضاء على المدّعي، ففي الرواية إمضاء للحجّية العقلائية الذاتية للبيّنة بالحدود التي يؤمن بها العقلاء، ولا إشكال في أنّ البيّنة بحدّ ذاتها حجّة على الواقع سواء قامت على الإثبات أو الإنكار.

والنتيجة: أنّه لو لم تكن للمدّعي بيّنة وقدّم المنكر البيّنة، لم تُغنِهِ البيّنة عن