المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

590

مخالفاً لما يفهم من هذه الرواية، فإنّ هذا التفسير يرد عليه: أنّ قوله (عليه السلام): «اليمين على المدّعى عليه» لو دلّ على سقوط بيّنة المنكر عن الاعتبار فهذه الدلالة لا تختصّ بفرض امتلاك المدّعي للبيّنة، بل إنما جعل قاعدة «اليمين على المدّعى عليه» لكي تصل النوبة إلى يمين المنكر بعد عجز المدّعي عن إثبات مُدّعاه بالبيّنة ولو لم يدل على سقوط بيّنة المنكر عن الاعتبار؛ إذاً لا مبرّر لهذا التفسير.

والمحتملات بدواً في قوله (عليه السلام): «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» ثلاثة:

الأول _ أن يكون قوله (عليه السلام): «اليمين على المدّعى عليه» إشارة إلى رفض البيّنة من المنكر، وأنّه ليس عليه إلا اليمين، ولا يقبل منه إلا اليمين، وعليه فالرواية تدل على مقالة المشهور.

إلا أنّ هذا يرد عليه ما قلناه: من أنّ الحديث إنما يدل على أنّ المنكر ليس عليه إلا اليمين، أمّا دلالته على أنّه لا تقبل منه البيّنة بأيّ درجة من درجات القبول، فهذا ممّا لم نعرف الدالّ عليه.

الثاني _ أن يقال: إنّ الرواية إنّما دلّت على أنّ المدّعي هو الذي يطالَب بالبيّنة، والمنكر هو الذي يطالَب باليمين، أمّا عدم نفوذ بيّنة المنكر فلم تدل عليه الرواية. إذاً فنحن نتمسّك بإطلاق دليل نفوذ البيّنة لإثبات نفوذ بيّنة المنكر، وليكن ذاك الإطلاق هو نفس قوله «البيّنة على المدّعي» المشير حسب دلالة المقام إلى ما هو بيّنة على الواقع، وكاشفٌ عنه عقلائيّاً قبل مرحلة القضاء.

والنتيجة أنّه لو لم يمتلك المدّعي البيّنة، وأقام المنكر البيّنة قبلت منه، ولم تكن هناك حاجة إلى يمينه، ولو أقاما معاً البيّنة تعارضتا وتساقطتا ووصلت النوبة إلى يمين المنكر.