المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

578

على المنكر، أمّا بيّنة المدّعي فالذي يدل على نفوذها إنّما هو رواية بريد الدالّة على مطالبة الرسول (صلى الله عليه و آله) للأنصار بالبيّنة على قتل اليهود لصاحبهم، ولكنّها قضيّة في واقعة، ولا إطلاق لها لفرض امتلاك المنكر البيّنة.

ولكنّنا لو بنينا على وجود إطلاق لحجّية البيّنة بشكل عامّ، وهو نفس روايات البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر في سائر الموارد، وروايات البيّنة على المنكر واليمين على المدّعي في مورد الدم بتقريب أنّ كلمة البيّنة تشير إلى ما يبيّن الواقع في نظر العقلاء، وهذا يدل على إمضاء ما هو ثابت في مرتكز العقلاء من كونها بيّنةً على الواقع ومثبتةً له، فيتم الإطلاق المقامي لحجّية البيّنة بحدود ما يساعد عليه الارتكاز العقلائي. إذاً فالنتيجة في المقام حجّية بيّنة المدّعي أيضاً، فإنّ بيّنة مدّعي الدم لا شكّ أنّها مشمولة لارتكاز الحجّية عند العقلاء، غاية ما هناك أنّه ثبت بالنصّ في باب الدم دعم إضافي لجانب المدّعي، وهو قبول القَسَامة منه، ومحكوميّة المنكر بمجرّد أن لا يمتلك بيّنة ولا يستعدّ للقَسَامة. أمّا الحقّ الأصلي الثابت للمدّعي عقلائيّاً _ وهو إثبات مدّعاه بالبيّنة _ فلم يرد ما ينفيه؛ وعليه فعند تعارض البيّنتين تكون كلّ واحدة منهما بذاتها حجّةً، فتتعارضان وتتساقطان.

وقد يقال: إنّ قوله: «البيّنة على من ادّعى»، أو قوله: «البيّنة على من ادُّعي عليه» إنّما هو إشارة إلى ما هي بيّنة في حدّ ذاتها على الواقع، ويقول: إنّ تلك البيّنة التي هي في حدّ ذاتها بيّنة على الواقع وكاشفة عنه تكون على المدّعي، أو تكون على المدعى عليه، فهذا الكلام إنّما يدل _ بدلالة المقام _ على الحجّية الذاتية للبيّنة على الإطلاق لا الحجّية القضائية. إذاً فلا طريق لإثبات الحجّية القضائية لبيّنة المدّعي في باب اللّوث عندما يمتلك المنكر بيّنةً، فإنّ الدليل على حجّيتها القضائية إن كان هو رواية بريد فلا إطلاق لها لفرض امتلاك المنكر للبيّنة، وإن كان هو دلالة المقام