المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

545

ما قاله الفقهاء الأوّلون في تقديم الشهادة...»(1).

أقول: إنّ الآية المباركة لا دلالة فيها على كون الكتابة مصدراً للإثبات في القضاء عند المرافعة، وأنّ البيّنة مصدر ثانويّ للإثبات، وإنّما الآية أكّدت على ضرورة الكتابة، وقد يكون ذلك للتذكير والمنع عن النزاع.

ثم الكتابة حينما تفيد العلم خصوصاً القريب من الحسّ فإغفالها إنّما هو صادق بشأن الفقه السنّي. أمّا الفقه الشيعي، فقد اعترف بحجّية علم القاضي وتقدّمه على البيّنة. وحينما لا تفيد العلم فالعلم الحسّي للبيّنة كان أقرب إلى الواقع من ظنّ القاضي الناشى‏ء من الكتابة لدى الشارع حتى لو أخذ بعين الاعتبار احتمال خطأ القاضي في فهم البيّنة.

والوجهان اللذان علّل بهما السنهوري شرط الكتابة في إثبات التصرف القانوني المدني _ وقد تقدّم نقلهما عنه في أوّل بحثنا عن طرق الإثبات: من كون التعبير في ذلك عن إرادة تتّجه لإحداث أثر قانوني أمراً دقيقاً قد يغمّ على الشهود، ومن سهولة تهيئة الدليل الكتابي عليه وقت وقوعه _ لا يصلحان نكتتين لاشتراط الإثبات بالكتابة؛ بحيث لو قصّر في الكتابة لانسدّ باب الإثبات ولم تفد البيّنة فيما تزيد قيمته على عشرة جنيهات، وإنّما يصلحان نكتتين للإلزام بالكتابة أو الحثّ عليها، كما صنعته الشريعة الإسلامية مع الاحتفاظ بحقّ الإثبات بالبيّنة على تقدير التقصير في الكتابة.

فعدم شرط العدالة في البيّنة حسب مدرسة الفقه الوضعي له أثره البالغ في فرض تحفظات تجاه البيّنة، بينما الشريعة الإسلامية في نظر الفقه الشيعي منزّهة عن إغفال شرط العدالة.


(1) الوسيط، ج2،بهامش الفقرة: 189.