المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

544

والثقة في أمانته»(1).

وما يظهر من هذه العبارة من قبول شهادة الصبي قد لا يفترض صحيحاً في الفقه الوضعي، كما يفهم ذلك من كتاب رسالة الإثبات لأحمد نشأت؛ حيث قال: «ولا يصحّ الأخذ بشهادة من لا يبلغ عمره خمس عشرة سنةً كاملةً، وتسمع أقواله على سبيل الاستدلال فقط بغير يمين.... وكانت السن (14) سنةً في قانون المرافعات السابق، ومفاد ذلك أنّه لا يصحّ أن يبني القاضي حكمه على شهادته أو أقواله وحدها، وله فقط أن يسترشد بها لتعزيز شهادة شاهد بالغ أو أيّ دليل قانوني آخر»(2).

وحاصل الكلام بالنسبة للصغير أنّه لا يجوز فرضه شاهداً بأن يكتفى بكلامه مع يمينه، فإنّهم يشترطون مع البيّنة اليمين، أي يمين الشاهد.

نعم، يجوز فرضه قرينةً من القرائن ولو لم يحلف، وقد يضمّ إلى قرائن أُخرى إلى أن توجب القناعة في نفس القاضي، فيأخذ بشهادته لا كبيّنة، بل كقرينة من القرائن. ولعلّ هذا هو مقصود صاحب الوسيط من افتراض جواز قبول شهادة الصغير.

وعلى أيّ حال فالدكتور عبدالرزاق السنهوري يرى في كتابه (الوسيط) أنّ القرآن قد أتى بأرقى مبادئ الإثبات في العصر الحديث، وهو الكتابة على ما نصّ به في آية التداين، ولكن لمّا كانت حضارة العصر تقصر دون ذلك لغلبة الأُمّية لم يستطع الفقهاء إلا أن يسايروا حضارة عصرهم، فإذا بالفقه الإسلامي يرتفع بالشهادة إلى مقام تنزل عنه الكتابة نزولاً بيّناً. قال: «ومن العجب أنّ عصر التقليد في الفقه الإسلامي لم يدرك العوامل التي كانت وراء تقديم الشهادة على الكتابة، فظلّ يردّد


(1) راجع الوسيط، ج2، الفقرة: 168.

(2) رسالة الإثبات لأحمد نشأت، ج1، الفقرة: 379 مكرّر (ك)، الطبعة السابعة.