المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

435

وهو البيّنة القائمة على أساس الأمارة أو الأصل.

وقد يقال: إننّا لو آمنّا في القسم الثالث _ وهو البيّنة القائمة على أساس العلم الشخصي غير القائم على الحسّ أو ما يقرب منه _ بنفوذها، وأمنّا في علم الأصول بقيام الأمارة والأصل مقام العلم الموضوعي كانت النتيجة الطبيعية لمجموع هذين الأمرين نفوذ الشهادة القائمة على أساس الأمارة أو الأصل.

ولكنّ الواقع أنّنا _ حتى لو آمنّا بهذين الأمرين _ نقول: إنّه في خصوص نفوذ الشهادة في باب القضاء لا تقوم الأمارة والأصل مقام العلم الموضوعي، وذلك لأنّ هذه البيّنة إمّا أن نفترض أنّها تشهد بمفاد الأمارة أو الأصل _ أي تشهد بالحكم الظاهري _ وهذا في الحقيقة شهادة عن حسّ، أو نفترض أنّها تشهد بالحكم الواقعي اعتماداً على الحكم الظاهري إيماناً منه بقيامه مقام العلم الموضوعي، فإن فرضت شهادته بالحكم الظاهري فهذه الشهادة سوف لا تكون أفضل من علم القاضي عن حسّ بالحكم الظاهري وعلم جميع الناس به، ونحن نعلم أنّ الحكم الظاهري وحده لا يكون منشأً لحكم القاضي، بل يجب ضمّه إلى اليمين، أي: أنّ الحكم الظاهري يجعل من كان كلامه موافقاً له منكراً، ومن كان كلامه مخالفاً له مدّعياً، فتصل النوبة إلى يمين المنكر لو لم تكن للمدّعي بيّنة، فشهادة الشاهدين بالملكيّة الظاهرية لزيد على أساس اليد _ مثلاً _ ليست بأفضل حالاً ممّا لو رأى القاضي بأُمّ عينيه وجميع من كانوا جلوساً حوله أنّ زيداً له اليد على هذا المال، ومن الواضح أنّه عندئذٍ ليس للقاضي الحكم بمالكية زيد إلا بعد يمينه، فالشهادة بالحكم الظاهري لا تعتبر بيّنةً موجبة للحكم على أساسها.

نعم، قد تقلب الشهادة بالحكم الظاهري المدّعي منكراً والمنكر مدّعياً، كما لو لم تكن لزيد ولا لعمرو أمام القاضي يد على المال، وكانت دعوى عمرو للملكية مطابقةً