المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

423

أن يكون المقصود بها شهادة الكذب، وأن يكون المقصود بالسؤال أو الاستشهاد طلب المشهود له الشهادة لصالحه؛ إذ من الواضح أنّ شهادة الكذب من دون طلبها أقبح وأكثر دلالةً على الجرأة وهتك حرمات اللّه من شهادته بعد طلبها، ويشير إلى هذا الاحتمال قوله في النبويّ الثاني: «ثم يفشو الكذب...».

ثم إنّ قيام الإجماع أو _ على الأقلّ _ الشهرة على عدم نفوذ شهادة المتبرّع _ بعد تفسير التبرّع بعدم طلب الحاكم _ أمر غريب؛ إذ لو فرض الإجماع تعبديّاً حاصلاً من وضوح الحكم قديماً وتوارثه جيلاً بعد جيل فتحقّق شيء من هذا القبيل في أمر لا يكثر الابتلاء به بعيد، ولو فرض مدركيّاً فهذه المدارك نسبتها إلى حقوق الناس الفرديّة وحقوق اللّه أو المصالح العامّة على حدّ سواء، فما معنى اختصاص القول بعدم نفوذ شهادة المتبرّع بالأوّل، وإفتاء المشهور بنفوذها في الأخيرين؟!

ولا يرفع هذا الاستغراب الوجوه الواهية التي تذكر لاستثناء حقوق اللّه والمصالح العامّة من قبيل:

1_ أنّه لو جعل التبرّع بالشهادة فيها مانعاً لتعطّلت.

2_ وأنّ المصلحة إذا عمّت عدول المؤمنين بأجمعهم كانت الشهادة منهم دعوى، فلو توقفت على دعوى غيرهم كان ترجيحاً من غير مرجّح مع لزوم الدور.

3_ وأنّ الشهادة بحقوق اللّه تعالى نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما واجبان، والواجب لا يُعدّ تبرّعاً.

4_ والجمع بين النبويّات الماضية والنبويّ الآخر: «ألا أخبركم بخير الشهود؟ قالوا بلى يا رسول اللّه. قال: أن يشهد الرجل قبل أن يُستشْهَد»(1).


(1) راجع الجواهر، ج41، ص107.