المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

359

على الفسق، وبيّنة العدالة مطّلعة على توبته من ذلك الفسق، واسترجاع الملكة لو كانت زائلةً، أو كانت بيّنة الجرح مطّلعةً على شى‏ء يكون معصية بالعنوان الأوّلي، وبيّنة العدالة مطّلعة على عذرٍ يزكّية، والذي يجعل ذاك العمل حلالاً له، ونحو ذلك من الأمثلة.

والواقع أنّ الذي ينبغي أن يكون مقصوداً لمن يرجّح بيّنة الجرح على بيّنة التزكية هو أحد أمرين:

الأول _ النظر إلى مدى دلالة الشهادتين، ودعوى أنّ الشهادة بالعدالة لا تدل على أكثر من حسن الظاهر؛ لأنّه أمارة على العدالة، بينما الشهادة على الفسق تدل على الفسق الواقعي، ولا تنافي بين الشهادتين، فيُؤخذ بهما معاً، وبالتالي يثبت الفسق. فهذا هو المقصود بتقديم بيّنة الجرح لا التقديم بمعنى تسليم التعارض وترجيح بيّنة الجرح، وليس الكلام في واقع ما في نفس البيّنتين كي يُقال: لعلّ البيّنة المزكّية اطّلعت على ما لم تطّلع عليه البيّنة الجارحة، وإنّما الكلام في مقدار دلالة الشهادتين، فالشهادة على العدالة لا تدل على أكثر من الشهادة على حسن الظاهر؛ لأنّه أمارة العدالة، بينما الشهادة على الفسق تدل على واقع الفسق.

ويرد عليه: أنّ الشهادة على العدالة ليست دائماً شهادةً على حسن الظاهر، بل ظاهر الشهادة على العدالة لو لم يأت بقرينة على إرادة حسن الظاهر، هو الشهادة على واقع العدالة، فتتعارض الشهادتان.

الثاني _ أن يُقال: إنّ بيّنة التزكية تسقط كاشفيتها عرفاً أمام بيّنة الجرح دون العكس، وذلك بنكتة أنّ الفسق كثيراً ما يُكتَم إلى أن يتخيّل المتخيّل أنّ هذا الرجل عادل، فمن اطّلع على الفسق يكون اطّلاعه على ذلك رافعاً لكاشفية شهادة البيّنة المزكّية، حتى أنّ البيّنة المزكّية لو سمعت شهادة الجارح لعلّها ترفع يديها عن شهادتها بالعدالة.