المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

354

أمّا من لا يكون فاسقاً، ويغلب عليه الخير والصلاح في طول مدّة معتدّ بها، ويكون أميناً في النقل والشهادة، فهذا عادل لا محالة. وقد دلّ قسم من الأخبار على عدم نفوذ شهادة الأول، وقسم منها على عدم نفوذ شهادة الثاني، وقسم منها على عدم نفوذ شهادة الثالث، فالمجموع قد دلّ على عدم نفوذ شهادة غير العادل، بل القسم الأول والأخير يكفيان لإثبات المطلوب، فإنّ من لا يؤمن على النقل والشهادة لا يعتبر خيّراً وصالحاً.

فإن قلت: إنّ النسبة بين ما دلّ على عدم نفوذ شهادة الفاسق وما دلّ على نفوذ شهادة الخيّر والصالح عمومٌ من وجه؛ لأنّ الفاسق قد يكون خيّراً وصالحاً، كما إذا غلب عليه الخير والصلاح، وكان مبتلىً بمعصيةٍ ما، وقد لا يكون خيّراً، وقد لا يكون الخيّر فاسقاً، فلماذا يقيّد الثاني بالأول دون العكس؟

قلت: أوّلاً _ لو فُرِض التعارض والتساقط وصلت النوبة إلى أصالة عدم نفوذ شهادة غير العادل.

وثانياً _ إنّ دليل عدم نفوذ شهادة الفاسق دلّ بالإطلاق على عدم نفوذ شهادته، وإن غلب عليه الخير والصلاح، بينما دليل شرط الخير والصلاح لم يدل على نفوذ شهادة المبتلى بفسقٍ ما إذا غلب عليه الصلاح والخير، وذلك لأنّنا لو سلّمنا أنّ قوله (عليه السلام): «إذا كانوا صلحاء»، وقوله (عليه السلام) «إذا كان خيّراً» لا يدل على شرطيّة عدم الفسق، فهو لا يدل على العكس، فإنّ كلمة الصالح والخيّر مشكّكة، واحتمال إرادة العادل منها وارد، فلا أقلّ من الإجمال. وكذلك الحال في قوله: «إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما» بعد وضوح عدم إرادة مجرّد مسمّى الخير الذي قد يصدر حتى ممّن غلب عليه الفسق.