المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

296

الحجّية الاقتضائيّة وكلّ من أصلي عدم الإيجار في المسألة الأولى حجّة اقتضاءً، أي: لولا المعارض فهو بحدّ ذاته حجّة، فكذلك الحال بالنسبة لليدين في المسألة الثانية؛ إذاً فكلٌّ مدّعٍ ومنكرٌ أيضاً(1).

أقول: المقياس هو الحجّية الفعليّة كما هو مختار المحقّق العراقي (رحمه الله)، والحجّية الفعليّة لا تجتمع في أصلين متعارضين؛ إذاً لا يمكن أن يكون كلّ منهما مدّعياً ومنكراً في وقت واحد، إلا إذا كانت هناك مرافعتان كي يكون أحدهما مدّعياً بالنسبة لإحدى المرافعتين ومنكراً بالنسبة للمرافعة الأُخرى. وفي المسألة الثانية لا توجد مرافعتان، فإنّ دعوى كلّ واحد منهما الملكيّة لو قوبلت بمجرد نفي الآخر ملكيّتة لا تشكّل مرافعة في مفروض الكلام، وإنّما الذي شكّل المرافعة هو أنّ كلّاً منهما يدّعي الملكية لنفسه، بينما يستحيل اجتماع ملكيتين مستقلّتين على مال واحد، فلا توجد إلا مرافعة واحدة، واليدان متعارضتان؛ لأنّ مفاد كلّ من اليدين ينفي مفاد اليد الأُخرى بطبيعته، لاستحالة صدقهما معاً، فهما متساقطتان، وتصل النوبة إلى أصالة عدم مالكيّة هذا وأصالة عدم مالكيّة ذاك، وهذان الأصلان لا يتعارضان؛ لاحتمال صدقهما معاً بأن لا يكون هذا مالكاً ولا ذاك مالكاً، فكلّ منهما مدّعٍ لأنّه يدّعي ما هو خلاف الأصل.

نعم، قد يتّفق أنّنا نعلم صدفةً بكذب أحد الأصلين إجمالاً، لكنّ العلم الذي يتّفق صدفةً فيسقط الأصل في نظر العالم لا يسقط المنكر عن كونه منكراً، وليس كالعلم بكذب إحدى اليدين الذي أسقط اليدين الناشيء من استحالة اجتماع صدقهما ذاتاً، وإلا لكان علم القاضي أو أيّ إنسان ثالث بكذب المنكر في أيّ دعوى


(1) كتاب القضاء للمحقّق العراقي، ص 106