المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

251

فإن تمّ هذا الكلام ثبتت حجّية البيّنة التي يكون القاضي جزءاً منها، وإن لم يتمّ هذا الكلام، فقد يقال: إنّه لا دليل على حجّية البيّنة حتى مع غضّ النظر عمّا أشرنا اليه من إمكانيّة دعوى الانصراف؛ إذ لا إطلاق حَكَمي في أدلّة نفوذ البيّنة في باب القضاء لشهادة القاضي، فمثلاً قوله (صلى الله عليه و آله): «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» إنّما هو بصدد بيان حصر مدرك قضائه بالبيّنات والأيمان، أمّا ما هي شروط البيّنات؟ وهل تكفي شهادة نفس القاضي عن أحد فردي البيّنة؟ فليس الحديث بصدد بيان ذلك. وما مضى من حديث سليمان بن خالد الدالّ على القضاء بالبيّنات والأيمان قد فرض فيه عدم رؤية القاضي للواقعة؛ حيث قال النبي: «يا ربّ كيف أقضي فيما لم أرَ ولم أشهد؟» فكيف يمكن افتراض تماميّة الإطلاق الحَكَمي فيه لشهادة نفس القاضي؟! وما ورد من أحاديث كون البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر(1) إنّما هي بصدد بيان من عليه البيّنة لا بصدد بيان شرائط البيّنة، وأنّه هل يجوز أن يكون القاضي جزءاً من البيّنة أو لا؟ وما ورد من قبول شهادة المحدود بعد التوبة(2)، أو قبول شهادة المسلم على الكافر(3) أو نحو ذلك أيضاً _ كما ترى _ ليس بصدد البيان من هذه الناحية، فإذا لم يتمّ إطلاق حَكَمي في أدلّة الحجّية القضائية للبيّنة وصلت النوبة إلى اليمين.

وقد يُقال: إنّما تصل النوبة إلى اليمين لو قلنا بانصراف البيّنات في قوله (صلى الله عليه و آله): «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» إلى بيّنة لا يكون القاضي جزءاً منها: أمّا لو لم نقل بالانصراف ولم يتمّ الإطلاق أيضاً فقد بقينا حائرين لا ندري ماذا نصنع؟ إذ لا يوجد


(1) راجع وسائل الشيعة، ج 18، الباب 3 من كيفيّة الحكم.

(2) راجع نفس المصدر، الباب 36 و 37 و 38 من الشهادات.

(3) نفس المصدر.