المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

250

علم القاضي مع شاهد واحد

يبقى الكلام في أنّ علم القاضي الذي يمكنه أن يشهد به لو لم نقل بنفوذه في القضاء بأن يقضي به بلا حاجة إلى البيّنة، فهل نقول بنفوذه كشاهد بأن يصحّ له القضاء بمجرّد أن ينضمّ إليه شاهد آخر، أو لا؟

لا موضوع لهذا البحث بناءً على مسلك الفقه الوضعي القائل بعدم اشتراط تعدد الشاهد في البيّنة.

أمّا لو فُرض شرط التعدّد افتراضاً فالمفهوم من الفقه الوضعي هو عدم نفوذه كجزء من البيّنة حينما نحتاج إليها، فإنّ نكتة عدم نفوذ علم القاضي عندهم هي أنّ للخصم أن يناقش الدليل، فإذا كان الدليل هو علم القاضي أصبح القاضي خصماً، أو أنّ القاضي إذا كان شاهداً في نفس الوقت فقد تأثّر بشهادته، فلا يصلح للقضاء وفصل الخصومة كما مضى ذلك في أوّل بحث قضاء القاضي بعلمه. وهذه الوجوه _ كما ترى _ تأتي أيضاً في ما إذا فرض القاضي أحد الشاهدين في البيّنة.

وعلى أيّ حالٍ فمن وجهة نظر فقهنا الإسلامي بالإمكان أن يقال: إنّ أدلّة حجّية الشهادة في باب القضاء منصرفة عن شهادة نفس القاضي، فهي تبيّن حجّية شهادة من يشهد لدى القاضي لا شهادة نفس القاضي، فالذهن لا ينتقل من الشهادة أو البيّنة إلى شهادة الإنسان لدى نفسه.

وفي مقابل ذلك قد يقال: إنّ وضوح عدم الفرق عقلائيّاً بين شهادة القاضي وشهادة أيّ عدلٍ آخر، وعدم تصوّر أيّ ضعفٍ في شهادة العدل حينما يصبح قاضياً يجعل العرف يفهم من دليل نفوذ البيّنة في باب القضاء الإطلاق، وكيف يحتمل العرف الفرق مثلاً بين أن يقضي هذا القاضي وفق شهادته وشهادة عدل آخر إلى جانبه، أو أن يذهب هو بصحبة ذاك العدل إلى قاضٍ آخر كي يحكم هو بشهادتهما؟!