المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

248

من فرض الرؤية إلى مطلق العلم الحسّي أو ما يقرب من الحسّ، وحينئذٍ فالحديث دلّ على حصر القضاء باليمين والبيّنة في غير مورد العلم الحسّي أو ما يقرب من الحسّ والقصّة وإن وقعت في زمن الأنبياء السالفين، لكنّ الظاهر من نقلها في هذا الحديث إمضاء ما فيها من حكم، والظاهر من البيّنة الواردة في آخر الحديث _ حسب ما هو متعارف في باب القضاء _ هو شهادة عدلين لا مطلق ما أفاد العلم.

وقد يقال في مقابل هذا البيان: إنّه كما يمكن تقييد إطلاقات الحكم بالحق والعدل بهذا الحديث كذلك يمكن العكس؛ بأن يقال: إنّ هذا الحديث حصر بإطلاقه مقياس القضاء في غير موارد العلم الحسّي باليمين والبيّنة، ونحن نقيّد هذا الإطلاق بعطف العلم غير الحسي على اليمين والبيّنة؛ لدلالة أدلّة الحكم بالحقّ والعدل على حجّيته، وليس تقييد تلك الأدلّة أولى من تقييد هذا الحديث.

هذا، ولكن قد يقال: إنّ المفهوم من قوله: «كيف أقضي فيما لم أرَ ولم أشهد» أنّه كان المركوز في ذهن هذا النبي أنّ القضاء أوّلاً وبالذات ينبغي أن يكون بالعلم الحسّي، فتحيّر في كيفيّة القضاء في غير مورد وجود العلم الحسّي، فاستفسر، فجاء الجواب بالقضاء باليمين والبيّنة. وهذا مع ما نعلمه من كثرة حصول العلم غير الحسّي للقاضي يعتبر كالمتصدّي بالخصوص لعدم حجّية العلم غير الحسّي، فتعيّن تقييد إطلاقات الحكم بالحق والعدل.

ولكنّ الإنصاف أنّ هذا الوجه غير تام؛ فإنّ قوله: «كيف أقضي في ما لم أرَ ولم أشهد؟»كما يحتمل فيه كونه ذكراً للرؤية والشهادة بما هي فرد للعلم الحسّي أو ما يقرب من الحسّ، كذلك يُحتمل فيه كونه ذكراً لها بما هي فرد للعلم، فصحيح أنّ المتيقن من ذلك هو العلم الحسّي، فلو أُريد الاستدلال بهذا الحديث على حجّية علم القاضي لم يدل على أكثر من حجّية العلم الحسّي أو ما يقرب من الحسّ، ولكن