المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

247

لمجرّد التجرّي، بل لعدم تماميّة موضوع جواز القضاء، فصحيح أن العلم بالحقّ أو أي حجّة أُخرى عليه طريق لإثبات أحد جزئي موضوع القضاء، لكنّه في نفس الوقت دخيل في موضوع القضاء في ارتكاز العقلاء، وعندئذٍ نقول: إنّ العلم إن كان حسّياً فهو كافٍ في جواز القضاء بالارتكاز، فعدم ورود نصّ متصدٍّ لبيان حجّيته أمر طبيعي. أمّا إذا كان حدسيّاً فعدم كفايته في القضاء أمر معقول ومحتمل عقلائيّاً؛ لكثرة الخطأ فيه، ولو كان كافياً في القضاء لكان المترقب ذكره في أحاديث مقاييس القضاء كما ذكرت البيّنة واليمين.

التفصيل بين العلم الحسي والحدسي

فالنتيجة إذاً هي التفصيل بين العلم الحسّي والعلم الحدسي، فالعلم الحسّي للقاضي حجّة أوّلاً: بالارتكاز غير المردوع عنه، وثانياً: بإطلاقات الأمر بالقضاء بالحقّ والعدل، وثالثاً: بما مضى من حديث سليمان بن خالد: «كيف أقضي فيما لم أرَ ولم أشهد؟» الدالّ على جواز القضاء بما رأى وشهد؛ بينما العلم الحدسي للقاضي غير حجّة بالبيان الذي عرفت.

ويمكن الاستدلال على هذا التفصيل بوجهين آخرين:

الأول _ ما مضى من حديث سليمان بن خالد عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «في كتاب علي (عليه السلام) أنّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى ربّه فقال: يا ربّ كيف أقضي فيما لم أرَ ولم أشهد؟ قال: فاوحى اللّه إليه: احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي فحلّفهم (تحلفهم) به، وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة»(1). بناءً على أنّ قوله: «فيما لم أرَ ولم أشهد» إشارة إلى مطلق العلم الحسّي أو ما يقرب من الحسّ، أو أنّ العرف يتعدى


(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص167، الباب الأول من كيفيّة الحكم، ح1