المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

246

يصرّح بنفوذ علم القاضي؛ بينما هنا أبواب كثيرة ورد في بعضها من الأخبار ما شاء اللّه بشأن البيّنة وشروطها وأحكامها، والمفروض بمقاييس القضاء أن يرد ذكرٌ لها في الروايات ولو نادراً كما ورد ذكر البيّنة واليمين، ولم يرد ولو في حديث واحد ذكر لمقياسية علم القاضي غير الحسّي، فعلم القاضي الحسّي لو كان حجّةً كان من المعقول أن لا يرد نصّ خاصّ متصدٍ لبيان حجّيته؛ لأنّ حجّيته ارتكازية عند العقلاء، أمّا العلم الحدسي فلا ارتكاز لحجّيته؛ إذ من المعقول عند العرف والعقلاء افتراض عدم السماح للقاضي بالقضاء به؛ لأنّه يكثر فيه الخطأ. أفليس ورود الأخبار الكثيرة حول البيّنة وشروطها واليمين وعدم ورود نصّ واحد على نفوذ العلم الحدسي دليلاً قاطعاً على أنّ المقياس في نظر الشريعة عندما لا يوجد علم حسّي هو البيّنة واليمين دون العلم الحدسي؟! وبهذا الوجه يقيّد إطلاق مثل أدلّة القضاء بالحقّ والعدل المقتضي لنفوذ علم القاضي مطلقاً. فالنتيجة هي التفصيل بين العلم المستند إلى الحسّ أو ما يقرب من الحسّ والعلم غير المستند إلى الحسّ، فالأول نافذ، والثاني غير نافذ.

لا يقال: إنّ حجّية العلم الطريقي في إثبات متعلّقه عقليّة ومرتكزة عند العقلاء أيضاً ولو كان حدسياً، فإذا دلّ الدليل على وجوب القضاء بالحقّ والعدل كان علم القاضي ولو حدساً حجّة لإثبات كون القضاء الفلاني قضاءً بالحقّ والعدل، وكان هذا علماً طريقياً، فحجّيته واضحة ومرتكزة كحجّية العلم الحدسي، ولعلّه لهذا لم يرد نص خاص به.

فإنّه يقال: إنّ دليل وجوب القضاء بالحقّ والعدل وإن كان مقتضی إطلاقه القضاء بذلك ولو عن طريق العلم الحدسي، ولكن هذا لا يعني أنّ تمام الموضوع للقضاء هو ذات الحقّ من دون أن يكون قيام الحجّة عليه جزءاً للموضوع، بل المرتكز عند العقلاء خلاف ذلك؛ أي أنّ من قضى بالحقّ بلا حجّة يعتبر آثماً، لا