المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

243

والصحيح أنّ هذا الحديث لو دلّ على عدم نفوذ علم القاضي فإنّما يدل على عدم نفوذ علمه الحدسي لا الحسّي، وذلك لأنّ وضوح أنّ البيّنة واليمين إنّما ينفعان القاضي بواسطة علمه الحسّي بهما _ على أشدّ تقدير _ لا يُبقي للكلام ظهوراً في إلغاء العلم الحسّي للقاضي، فإنّ كون علم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) الحسّي نافذاً عند تعلقه بالبيّنة واليمين، وغير نافذ عند تعلّقه بالواقع _ بينما الثاني أقرب إلى الواقع من الأول _ مستبعد إلى حدّ لا ينعقد للحديث ظهور في ذلك، بل لو قلنا: إنّ ارتكاز حجّية البيّنة في تشخيص حقوق الآدميّين يشمل حتى البيّنة التي عُلمت بالعلم الحدسي، وهذا يكوّن إطلاقاً مقاميّاً لقوله: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» لإثبات حجّية البيّنة التي عُلمت بالحدس سقط الحديث حتى عن الدلالة على عدم نفوذ علم القاضي الحدسي.

ثم إنّ دلالة الحديث على عدم نفوذ علم القاضي مطلقاً أو في خصوص العلم الحدسي لو تمّت فهي معارضة بدلالة أدلّة القضاء بالحقّ التي دلّت على نفوذ علم القاضي.

الرابع _ ما ورد بسند تام عن داود بن فرقد قال: «سمعت أبا عبداللّه (عليه السلام) يقول: إنّ أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) قالوا لسعد بن عبادة: أرأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به؟ قال: كنت أضربه بالسيف، قال: فخرج رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) فقال: ماذا يا سعد؟ فقال سعد: قالوا: لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به؟ فقلت: أضربه بالسيف، فقال: يا سعد فكيف بالأربعة الشهود؟ فقال: يا رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) بعد رأي عيني وعلم اللّه أن قد فعل؟ قال: إي واللّه بعد رأي عينك وعلم اللّه أن قد فعل. إنّ اللّه جعل لكلّ شيء حدّاً، وجعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً»(1).


(1) نفس المصدر، ص310، الباب 2 من مقدّمات الحدود، ح1