المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

228

من حقوق اللّه أو من حقوق الناس أمر قابل للتشكيك، فتارةً يكون حدّ من الحدود من حقوق اللّه محضاً كما في حدّ الزنا، وأُخرى يكون من حقوق الناس بمعنى أنّه ما لم يطالب به صاحبه لا يُجرى، كما ورد ذلك في بعض الروايات بالنسبه لحد القذف(1). وحدّ السرقة ليس من هذا القبيل، فبالإمكان اجراؤه بمجرّد الإقرار مرّةً أو مرتين على ما تقتضيه روايات الإقرار بالسرقة، وثالثةً يكون أمراً بين أمرين، فهو من حقوق اللّه بمعنى أنّ مجرّد الإقرار به يكفي في جواز إجراء الحدّ عليه من قبل الحاكم، كما هو المستفاد من روايات الإقرار بالسرقة، ولكنّه من حقوق الناس بمعنى أنّ من حقّ صاحبه أن يعفو عنه قبل أن يصل الأمر إلى الإمام؛ وإن كان لا يحقّ له العفو بعد وصوله إليه، والسرقة من هذا القبيل على ما دلّ عليه حديث الحلبي التامّ سنداً عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يأخذ اللصّ يرفعه، أو يتركه؟ فقال: إنّ صفوان بن أُميّة كان مضطجعاً في المسجد الحرام فوضع رداءه وخرج يهريق الماء فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه فقال: من ذهب بردائي؟ فذهب يطلبه فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): إقطعوا يده، فقال الرجل: تقطع يده من أجل ردائي يا رسول اللّه؟ فقال: نعم. قال: فأنا أهبه له، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله): فهلّا كان هذا قبل أن ترفعه إليّ. قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال: نعم. قال: وسألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام، فقال: حسن»(2)، وورد بسند تام عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبداللّه (عليه السلام) نحوه وإن كانت القصّة الواردة في هذا الحديث فيها نقطة ضعف، وهي أنّ من يسرق من الأماكن العامّة ومن غير حرز لا تقطع


(1) رأيت في ذلك حديثين: أحدهما الرواية الأُولى من الباب 32 من مقدّمات الحدود، من وسائل الشيعة، ج18، ص 344، والثاني الرواية الواردة في الباب 6 من حدّ القذف من ذاك المجلّد ص 440.

(2) وسائل الشيعة، ج 18، ص329، الباب 17 من مقدّمات الحدود.