المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

214

فتحصّل أنّ تلك الآيات والروايات إن أثبتت جواز القضاء بالعلم فلا تثبت إنهاء النزاع بحيث لا يحقّ لقاضٍ آخر النظر في الدعوى، كما هو الحال في البيّنات والأيمان.

وعليه فلا يبقى في البين عدا دعوى الإجماعات المتكرّرة في الكلمات، أو دعوى تنقيح المناط في ميزانيّة البيّنة واليمين بالنسبة للعلم مطلقاً، والعهدة في إثبات الجهتين على مدّعيهما(1).

أقول: إنّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو كان دليلنا على نفوذ القضاء _ وعدم جواز نقضه من قبل قاضٍ آخر شاكٍّ في صحّة القضاء الأول _ هو حجّية البيّنة عليه، ولكن كما لا يجوز للقاضي الآخر نقض حكم القاضي الأول والنظر في الدعوى مرّةً ثانيةً لدى شكّه في صحّة حكم القاضي الأول، كذلك لا ينبغي الإشكال في أنّه لا يجوز للمحكوم عليه مخالفة حكم القاضي بمثل سرقة مال المحكوم له قصاصاً حتى مع قطعه بخطأ القاضي، وهذا لا يمكن تفسيره بحجّيّة البيّنة؛ إذ البيّنة لا تكون حجّةً مع القطع بالخلاف، فلابدّ من وجه آخر يدل على نفوذ الحكم وحجّيته حتى في هذا الفرض، ولعلّ ذاك الوجه يدل أيضاً على نفوذه بالنسبة للقاضي الثاني لدى الشكّ بحيث لا يجوز له تجديد النظر ونقض الحكم على تحقيق وتفصيل في مسألة مدى نفوذ حكم القاضي يبحث عنه في محلّه.

والواقع أنّ هنا دليلين آخرين على نفوذ القضاء وعدم جواز نقضه:

أحدهما _ الارتكاز المتشرّعي، وكذلك العقلائي الممضى بعدم الردع، الدالّ على أنّ القضاء جعل لفصل الخصومة وإنهائها، وهذا يدل على عدم جواز نقض الحكم من قبل المحكوم عليه القاطع بالخلاف، ومن قبل القاضي الثاني الشاكّ في صحّة


(1) راجع كتاب القضاء للمحقق العراقي، ص 23 _ 24.