المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

210

وعلى أيّ حال فالجواب الأول _ وهو دعوى تبادر إرادة الحقّ والعدل بحسب الواقع _ صحيح. وبتعبير آخر يفهم من كلمة ( الحقّ والعدل) ما هو حقّ وعدل في ذاته، لا الحقّ والعدل النسبيّان، أي بالنسبة لمقاييس القضاء.

فإن قلت: إنّ هناك قرينة ارتكازيّة كالمتّصلة تدل على أنّ المراد هو الحقّ والعدل بلحاظ خصوص مقاييس القضاء وهي وضوح أنّ القضاء ليس دائماً بالحقّ الواقعي، بل في كثير من الأحيان يكون وفق البيّنات والأيمان وغيرهما من مقاييس القضاء ممّا لا يُثبت إلا الحقّ بمقاييس القضاء، لا الحقّ في ذاته.

قلت: إنّ الآيات والروايات بحدّ أنفسها تدل على القضاء بالحق الواقعي كما عرفت، وليس وضوح حجّية مقاييس القضاء بمعنى وضوح حجّيتها لإثبات أنّ الحكم الواقعي بشأن القاضي هو القضاء وفقها، بل من المحتمل أن تكون حجّيتها حجّيةً ظاهريّةً تحكم الواقع حكومة ظاهرية سنخ حكومة دليل الأمارات والأصول على الواقع، والحكومة الظاهريّة لا تمتدّ إلى فرض العلم بالخلاف.

ولو استظهر من دليل مقاييس القضاء أنّها أحكام واقعيّة بشأن قضاء القاضي لا يجوز له تخطّيها حتى مع العلم بالخلاف، فهذا يعني الحصول على دليل منفصل على عدم حجّية علم القاضي، والمفروض بنا أن نبحثه بعد ذلك ضمن أدلّة عدم حجّية علم القاضي، وليس قرينةً ارتكازيّةً كالمتّصلة تُبطِل دلالة هذا الدليل على حجّية علم القاضي.

إن قلت: إنّ كلمة (الحقّ) مثلاً في الأمر بالقضاء بالحقّ إن حملت على معنى المفعول به دلّت على وجوب القضاء بالحقّ الواقعي لما افترضناه من ظهور الحقّ في الحقّ في ذاته، لا الحقّ وفق مقاييس القضاء، ولكن من المحتمل حملها على معنى المفعول المطلق من قبيل قولنا: (مشى زيد بسرعة) أي: (مشى مشياً سريعاً)، وهذا