المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

208

ويمكن الاعتراض على هذا التقريب بوجهين رئيسيّين:

الوجه الأول _ ما جاءت الإشارة إليه في كلمات المحقّق العراقي (رحمه الله) من أنّه قد يكون المراد بمثل الحقّ والعدل هو الحقّ والعدل وفق مقاييس القضاء، لا الحق والعدل وفق الواقع، وكون علم القاضي من مقاييس القضاء أوّل الكلام(1).

يبقى أنّ هذا الاحتمال هل هو بحسب ذاته احتمال يقابل احتمال كون الحقّ والعدل بلحاظ الواقع، أو أنّ هذا الاحتمال _ لولا شاهد يشهد له _ خلاف الظاهر، ولكن الشاهد عليه موجود؟ يحتمل من عبارة المحقّق العراقي (رحمه الله) أن لا يرى هذا الاحتمال بحدّ ذاته قابلاً لمقابلة الاحتمال الآخر إلا بلحاظ وجود شاهد عليه، وقد جعل (رحمه الله) الشاهد على ذلك رواية «رجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم...» بتقريب أنّه لو كان موضوع القضاء هو الحقّ الواقعي، لا الحقّ وفق مقاييس القضاء؛ إذاً فقضاء من قضى بالحقّ وهو لا يعلم صحيح وضعاً وتكليفاً، ولا عقاب عليه إلا بملاك التجرّي، فيجب أن نحمل هذا الحديث على عقاب التجرّي، أو على كون المقصود بالعلم هو الاجتهاد؛ فالحديث هو من أحاديث شرط الاجتهاد في القضاء، وكلّ هذا خلاف الظاهر. وحمل الحقّ والعدل في الأدلّة الأُولى على الحقّ والعدل وفق مقاييس القضاء إنْ لم يكن أولى فلا أقلّ من تساوي الاحتمالات، فيسقط الاستدلال.

وأورد عليه أُستاذنا الشهيد (رحمه الله) في كتاب «فدك»(2) بأنّ حديث «رجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم» لا يقتضي عدم موضوعيّة الواقع للحكم، غاية ما هناك أنّه يقيّد الأدلّة الأُولى بالعلم، فيصبح الواقع جزء موضوع، والعلم به جزءاً آخر للموضوع، ولا بأس بذلك.


(1) كتاب القضاء، ص 22.

(2) ص 164 تحت الخط.