المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

207

وتقريب الاستدلال بهذه الآيات والروايات هو أنّ موضوع جواز القضاء حسب ما يفهم من هذه الآيات والروايات هو العدل والحق والقسط وما أنزل اللّه وما شابه ذلك من العناوين، فالعلم بذلك يكون علماً بموضوع الحكم، ومؤدّياً إلى العلم بالحكم _ أي العلم بجواز القضاء _ فكم فرق بين أن نفترض أنّ موضوع جواز القضاء هو البيّنات والأيمان، فيقال: «لم تثبت حجّيةٌ للعلم؛ لأنّ قيام العلم مقام البيّنات والقضاء _ يعني كونه موضوعاً لجواز القضاء والعلم الموضوعي _ لا حجّية ذاتية فيه، بل لابدّ من ثبوت موضوعيّته بدليل»، وأن نفترض أنّ موضوع جواز القضاء هو نفس الحقّ والواقع، وعندئذٍ فالعلم به علم بموضوع جواز القضاء، وهذا علم طريقي بالنسبة لموضوع جواز القضاء، ويؤدّي إلى العلم بجواز القضاء، ولا يمكن الردع عن حجّيته.

لا يقال: إنّ دليل وجوب القضاء بالحقّ إنّما دلّ على أنّ متعلّق القضاء هو الحقّ؛ أمّا أنّ الحقّ هو تمام الموضوع للقضاء فلم يدل عليه، فمن المحتمل أن يكون الحقّ جزء الموضوع للقضاء، والحجّة عليه هي الجزء الآخر له؛ أي: أنّ من قضى بالحقّ بلا حجّة فهو عاصٍ وليس متجرياً، ولعلّ هذا هو المرتكز عقلائيّاً، فإذا فرضت الحجّة جزءاً للموضوع جاء احتمال أن يكون جزء الموضوع عبارة عن خصوص البيّنة واليمين، دون علم القاضي.

فإنّه يقال: إنّ القاضي لو علم بالحقّ وكانت البيّنة أو اليمين تشير إلى شيء آخر يعلم أنّه ليس بحقّ فلا يخلو الأمر من أحد فروض ثلاثة: أن تكون وظيفة القاضي القضاء بعلمه، أو القضاء بالبيّنة أو اليمين على خلاف علمه، أو أن لا يقضي أصلاً. والاحتمال الثالث غير موجود فقهيّاً، والثاني خلاف وجوب القضاء بالحقّ، فيتعيّن الأول، وهو القضاء وفق علمه. وبهذا يثبت أنّه إذا كانت الحجّة جزءاً للموضوع فليس جزء الموضوع خصوص البيّنات والأيمان، بل يكفي أيضاً علم القاضي.