المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

204

مطلق الكاشف الأعمّ من التكويني والتعبّدي موضوعاً.

وعلى أيّ حال فسواء أُخذ بهذا التقريب، أو بالتقريب الذي نقلناه عن صاحب الجواهر(رحمه الله) _ من التمسّك ابتداءً بدعوى أولويّة العلم من البيّنة لكونه أقوى منها _ يرد عليه: أنّ أقوائيّة علم القاضي من البيّنة قد تؤثّر في استظهار حجّيته لو كان المشرِّع هو القاضي نفسه، فيقال: إنّ علمه أقوى لديه من البيّنة، فإذا جعلَ البيّنةَ حجّةً فعلمه بطريق أولى، ولكن المشرّع هو شخص ثالث نسبته إلى القاضي والبيّنة على حدّ سواء وعلم البيّنة أقوى كشفاً(1) لديه من علم القاضي غير المعصوم؛ لأنّ علم عدلين أبعد عن الخطأ من علم عدل واحد.

ورأيت في كتاب «فدك» لأُستاذنا الشهيد رضوان اللّه عليه الذي ألّفه في عنفوان شبابه الالتفات إلى ما يرجع بروحه إلى هذه النكتة؛ حيث أورد على الاستدلال لحجّية علم القاضي بأقوائيّة العلم من البيّنة بقوله:

«وأُلاحظ أنّ في هذا الدليل ضعْفاً مادّيّاً؛ لأنّ المقارنة لم تقم فيه بين البيّنة وعلم الحاكم بالإضافة إلى صلب الواقع، وإنّما لوحظ مدى تأثير كلّ منهما في نفس الحاكم، وكانت النتيجة حينئذٍ أنّ العلم أقوى من البيّنة؛ لأنّ اليقين أشدّ من الظنّ، وكان حقّ المقارنة أن يلاحظ الأقرب منهما إلى الحقيقة المطلوب مبدئيّاً الأخذ بها في كلّ مخاصمة ولا يَفْضُل علم الحاكم في هذا الطور من المقايسة على البيّنة؛ لأنّ الحاكم قد يخطأ كما أن البينة قد تخطأ، فهما في شرع الواقع سواء كلاهما مظنّة للزلل والاشتباه»(2).


(1) وبتعبير أدقّ: ما يفهمه القاضي من شهادة عدلين أقوى عند المشرع من علم القاضي رغم وجود احتمال ضئيل لخطأ فهم القاضي لما هو مقصود البيّنة، بينما لا يحتمل خطأ فهمه لعلمه.

(2) فدك في التاريخ، ص 161.