المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

184

الجزء2: «فالفقه الإسلامي لا يعتدّ بالكتابة اعتداده بالشهادة، فالشهادة عنده هي البيّنة التي لها المقام الأول في الإثبات، أمّا الكتابة فيحذر منها كلّ الحذر؛ لأنّ الخطوط _ كما يقول الفقهاء _ قابلة للمشابهة والمحاكاة، والواقع من الأمر أنّ الكتابة لم تكن في العصور الأُولى التي ترعرع فيها الفقه الإسلامي منتشرةً بين الناس، ولم يكن فنّ الخط قد تقدّم تقدّمه في العصور التي تلت، فكان من الصعب الاعتماد على الكتابة في الإثبات... وقد أتى القرآن الكريم في آية المداينة بأرقى مبادى‏ء الإثبات في العصر الحديث، قال اللّه تعالى: ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا تَدٰايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كٰاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كٰاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمٰا عَلَّمَهُ اللّٰهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّٰهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً﴾(1). فالأولويّة في الإثبات إذاً للكتابه، ولكن لمّا كانت حضارة العصر تقصر دون ذلك، وتقف عن مجاراة هذا التقدّم لم يستطع الفقهاء إلا أن يسايروا حضارة عصرهم، فإذا بالفقه الإسلامي يرتفع بالشهادة إلى مقام تنزل عنه الكتابة نزولاً بيّناً. ومن العجيب أنّ عصر التقليد في الفقه الإسلامي لم يدرك العوامل التي كانت وراء تقدّم الشهادة على الكتابة، فظلّ يردّد ما قاله الفقهاء الأوّلون في تقديم الشهادة، وذلك بالرغم من أنّهم كانوا يستطيعون أن يقلّبوا الوضع، فيقدّموا الكتابة يؤازرهم في ذلك انتشار الكتابة وتُظاهرهم آيات القرآن الكريم».

إنتهى ما أردنا نقله من الوسيط.

وكتب أحمد نشأت في كتابه يقول:

«قد اتّبعت معظم الشرائع قاعدة في الإثبات الكتابة، وأمر بذلك القرآن الكريم:


(1) البقرة: 282.