المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

183

والقانون اقتضى أن لا يكون إثبات هذا التعبير كقاعدة عامّة إلا عن طريق الكتابة، وذلك لاعتبار سببين:

1_ لأنّ التعبير عن إرادةٍ تتّجه لإحداث أثر قانوني أمر دقيق قد يُغَمُّ على الشهود فلا يدركون معناه، ولا يؤدون الشهادة فيه بالدقة الواجبة.

2_ والتصرف القانوني فوق ذلك هو الذي تستطاع تهيئة الدليل الكتابي عليه وقت وقوعه، ومن ثم كان اشتراط الكتابة لإثباته أمراً ميسوراً.

أمّا الواقعة الماديّة فلا يقوم في شأنها أيّ من الاعتبارين المتقدّمين، وقد عمد المشرّع إلى الخطير من هذه الوقائع كالميلاد والموت فأوجب تسجيله بالكتابة على نحو خاص.

أمّا السبب في إباحة الإثبات بالبيّنة وبالقرائن في المسائل التجارية أيّاً كانت قيمة التصرف القانوني فهو ما يقتضيه التعامل التجاري من السرعة، وما يستلزمه من البساطة وما يستغرقه من وقت قصير في تنفيذه...(1).

وقد يبدو من عبارة السنهوري الماضية في أوّل البحث أنّ الإسلام أعطى المقام الأول في الإثبات إلى البيّنة لأجل غلبة الأُمّيّة وقتئذٍ، وهذا ما يكرّس شبهة أعداء الإسلام القائلين بأنّ الإسلام كان ديناً منسجماً مع زمانه وقد انتهى وقت تنفيذ نُظمه وقوانينه لتبدّل الزمان والأوضاع.

ولكنّه ذكر بعد ذلك ما يدل على أنّه يرى أنّ النقص لم يكن في الإسلام، وإنّما كان النقص في عصر التقليد في الفقه الإسلامي _ على حدّ تعبيره _، ولا بأس بذكر نصّ عبارته بهذا الصدد. قال في تعليق له في الهامش على الفقرة رقم 189، في


(1) راجع الوسيط ج 2، الفقرة رقم 181 و 182 و 185 و 188.