المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

172

صدورهما، ونحن الآن نتكلّم فيما قبل الحكم لتشخيص من له حقّ الحكم، لا فيما بعد صدور الحكمين برضا كلا الخصمين بهما كما هو مورد الروايات.

الإيراد الثاني، وهو تطوير للإيراد الأول بهدف التخلّص من الجواب الذي مضى أن يقال: لو اختلف الخصمان في رفع النزاع إلى القاضي، فرفع هذا النزاع إلى قاضٍ، ورفع الآخر إلى قاضٍ آخر، فتارةً نفترض أنّ أحد القاضيين يتقبّل النزاع، ويجلب الخصم الآخر، ويحقّق الموضوع، ويحكم، دون أن يقوم القاضي الآخر بعمل مماثل لذلك، وعندئذٍ لا ينبغي الكلام في نفوذ حكم ذاك الحاكم؛ لما مضى من أنّ المفهوم عرفاً من النصب للقضاء ليس مجرّد فصل النزاع عند ترافعهما معاً إليه، بل يشمل ذلك فرض ما إذا رفع الشاكي الشكوى إليه، فمن حقّه أن يجلب الخصم الآخر، ويحقّق، ويقضي، والرادّ عليه كالرادّ على اللّه.

وأُخرى نفترض أنّ كلا القاضيين قد قاما بهذه العملية، واختلفا في الحكم، وحينئذٍ إمّا أن نقول: إنّ المورد دخل تحت مفاد الروايات الماضية الواردة في تعارض الحكمين، ونلتزم بالترجيح لا بالقرعة، وخصوصيّة مورد الروايات من تراضي الخصمين بهما ملغيّة عرفاً، فالمهمّ هو شرعيّة قضاء كلّ منهما في نفسه. أو نقول: إنّ أيّاً منهما كان متقدّماً في إصدار الحكم ينفذ حكمه، ويعتبر حكم الآخر نقضاً لحكم الحاكم، ولا يلتفت إليه، فإن صدر الحكمان في وقت واحد رجعنا إلى الترجيح الوارد في الروايات لا إلى القرعة.

أقول: تارةً نفترض أنّ القاضي هو ولي الأمر أيضاً، كالفقيه في زماننا، فهو بإمكانه _ بحكم ولاية الفقيه _ أن يجلب الخصم الآخر، ويفصل الخصومة إذا رأى المصلحة في ذلك، ولا يبقى مجال بعد ذلك لحكم حاكم آخر، وأُخرى نفترض أنّه ليس وليّاً للأمر كالفقيه بناءً على إنكار ولاية الفقيه، وكغير الفقيه المنصوب قاضياً من قبل