المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

143

دلّت على كفاية شيء آخر، وهذا تقييد لذاك الإطلاق.

والوجه في بطلان ذلك: أنّه لو كفى مجرّد عدم العلم بالفسق لإثبات العدالة لَلَغا حسن الظاهر، فهذا إلغاء للطائفة الأُولى ما عدا الرواية السادسة منها التي عرفت أنّها لا تدل على عدم كفاية ما هو أقلّ من حسن الظاهر.

والصحيح في مقام الجمع بين الطائفتين أن يقال: إنّ هذه الروايات لو دلّت على كفاية مجرّد عدم العلم بالفسق فإنّما دلّت بالإطلاق، فقوله مثلاً: «مَنْ لم تَرَهُ بعينك يرتكب ذنباً، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان» يشمل بإطلاقه من لم يصل إلى القاضي شاهدان يشهدان بفسقه، بينما يمكن تقييده بإرادة من يكون في بيئته وظروفه الاعتياديّة بين جيرانه وأصدقائه بنحو لا يوجد شاهدان يشهدان على فسقه، وهذا هو حسن الظاهر.

والواقع أنّ ما هو تام سنداً من الروايات _ التي فرضناها دالّة على جريان أصالة العدالة بمجرّد الشكّ _ لا يدل على أكثر من كفاية حسن الظاهر. فرواية حريز قالت: «إلا أن يكونوا معروفين بالفسق»، وهذه إنّما تدل على كفاية مجرّد عدم العلم بالفسق لو حملت على معنى: (إلا أن يكونوا معروفين لدى القاضي بالفسق)؛ بينما من المحتمل أن يكون المقصود: (إلا أن يكونوا معروفين في بيئتهم وبين أصدقائهم وجيرانهم بالفسق)، وعدم المعروفيّة بذلك في بيئته عبارة عن حسن الظاهر. وكذلك الكلام في قوله في رواية علاء بن سيّابة: «إذا كان لا يعرف بفسق».

نعم، لو وجدنا حديثا تاماً سنداً ودلالةً يدل على كفاية مجرّد عدم العلم بالفسق، فهاتان الروايتان لا تعارضانه، وحديث علقمة يدل على ذلك لكنّنا أشرنا إلى ضعفه سنداً.

وعلى أيّة حال فلو تمّ شيء من روايات الطائفة الثانية سنداً ودلالةً على كفاية