المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

130

قال: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾، فمن المحتمل أنّ فرض فعل الفرائض كان مفروغاً عنه في آية التكفير، بينما في هذه الآية يكون ترك الفريضة داخلاً في الإثم. وهذه الرواية تؤيّد ما استظهرناه من آية التكفير من أنّ موضوع الوعد بالتكفير هو من لم يكن عليه شيء من ناحية الواجبات، فإنّ هذه الرواية فرضت ترك الفرائض داخلاً في المقصود بالكبائر في آية اللّمم، وهذا يعني أنّ اللّه تعالى إنّما وعد في هذه الآية بالمغفرة لمن أتى بالفرائض، فيتّحد، أو يتقارب مفاد الآيتين.

إلا أنّ الذي يبعِّد استظهارنا لاختصاص آية التكفير بالنظر إلى المحرّمات، أنّ كلمة ﴿مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ وإن كانت _ لعلّها _ مُختصَّة بالمحرّمات بحسب حاقّ اللّغة، ولكن حسب مناسبات الحكم والموضوع لا فرق في المعصية من حيث كونها صغيرةً أو كبيرةً، ومن حيث نكتة المكفِّرية _ بالكسر _ والمكفَّرية _ بالفتح _ بين أن تكون فعلاً لحرام، أو تركاً لواجب. وعلى أيّ حال فلابدّ من افتراض أحد أمور ثلاثة: إمّا افتراض أنّ الآية ناظرة إلى خصوص المحرّمات، أو افتراض أنّ المقصود بوعيد اللّه بالنار الوعيد في الشريعة، لا الوعيد في خصوص القرآن، أو افتراض أنّ مقياس الوعيد بالنار في القرآن إنما ذكر للمحرمات وأما ما فرضه اللّه من الواجبات فهن جميعاً يعتبر تركها كبيرة. ولعل هذا الوجه الأخير أقوى الوجوه. وأما استبعاد كون ترك كل واجب كبيرة فيمكن الجواب عليه بأنّ المقصود ما ورد في رواية عبدالعظيم الحسني من عنوان ما فرضه اللّه ليس هو تمام الواجبات بل الواجبات الواردة في القرآن، ويشهد لذلك ما في صدر الرواية من أنّ سؤال السائل كان عبارةً عن طلب معرفة الكبائر من كتاب اللّه، فكأنّ مقصوده عليه الصلاة والسلام: أنّ الواجبات على قسمين: منها ما فرضه اللّه وهو وارد في كتابه، ويكون تركه كبيرةً، ومنها ما فرضه رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) في سنته بإذن اللّه أو بإمضائه، ولا يعتبر ترك ذلك كبيرةً.