الاستقامة، والمقصود به في المقام طبعاً العدالة في الدين، وذلك بقرينة ورودها في لسان مشرّع الدين وبلحاظ أحكام الدين _ يعطي معنى الملكة؛ فإنّ العدالة وصف حسب الفرض لإنسانٍ ما من إمام جماعة، أو شاهد، أو قاضٍ ونحو ذلك، واستقامة نفس الإنسان ليست بمجرّد عدم صدور معصية منه ولو من باب أنّ الفرص لم تسنح له، أو أنّه لم تمضِ على بلوغه سنّ التكليف أو على توبته مدّة تورّطه في المعصية، وإنّما استقامتها تكون بتطبّعها بترك المعاصي ووجود الرادع النفسي عن المعاصي والزلّات. هذا في كلّ ما ثبت فيه شرط العدالة بعنوانها. أمّا مثل عنوان «من تثق بدينه وأمانته» الذي مضی في بعض روايات صلاة الجماعة، فأيضاً يدل على اشتراط الملكة؛ إذ بدونها لا يحصل الوثوق. نعم، كلّما ورد اشتراط ترك الفسق فحسب لم يدل على اشتراط العدالة بمعنى الملكة.
وفي مقابل ذلك قد يستدلّ على كفاية عدم المعصية _ من دون شرط الملكة أو التطبّع النفسي _ بالروايات الواردة في قبول شهادة من يقام عليه الحدّ بعد توبته(1)، وفيه رواية واحدة تامّة السند، وهي ما عن عبداللّه بن سنان قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن المحدود إذا تاب أتقبل شهادته؟ فقال: إذا تاب _ وتوبته أن يرجع ممّا قال، ويكذّب نفسه عند الإمام وعند المسلمين، فإذا فعل _ فإنّ على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك»(2) ونحن نعلم أنّ مجرّد التوبة لا يستلزم رجوع الملكة، وإنّما التوبة تجعل الذنب كأنّه لم يتحقّق، فيصبح حاله حال من هو قريب العهد بالبلوغ الذي لم يصدر منه معصية لا على أساس الملكة، بل على أساس الصدفة.
(1) راجع وسائل الشيعة، ج18، ص282_ 284، الباب 36 و37 من أبواب الشهادات.
(2) نفس المصدر، ج18، ص283، الباب 37 من أبواب الشهادات، ح1.