المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

96

الوجه الثالث: ما ورد بشأن من نسي الذبح في منى حتّى زار البيت، وهو صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(علیه السلام)«في رجل نسي أن يذبح بمنى حتّى زار البيت، فاشترى بمكّة ثم ذبح؟ قال: لا بأس؛ قد أجزأ عنه»(1).

ومن الواضح أنّ الشراء بمكّة لا خصوصية له حتّى يركّز السائل عليه، فيبدو أنّ مقصود السائل هو أنّه حينما نسي في اليوم العاشر الذبح بمنى حتّى زار البيت اشترى بمكّة وذبح فيها حفاظاً على وقوع الذبح في اليوم العاشر، فقال(علیه السلام): «قد أجزأ عنه»؛ فلئن كان حكم النسيان هذا يتعدّى العرف إلى فرض العجز بلا إشكال.

الوجه الرابع: قوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾(2).

وتوضيح الاستدلال بهذه الآية المباركة: أنّنا لو كنّا والمعنى اللفظي البحت للآية لقلنا: إنّ محلّ الهدي هو فناء الكعبة؛ لأنّ الكعبة هي البيت العتيق، ولكن لا شكّ أنّ كلّ مكّة داخل في المقصود، كما ورد _ وسيأتي إن شاء الله _ في الحديث الصحيح: «إنّ مكّة كلّها منحر»(3)، وهذا التفسير للآية يكون بمناسبة أنّ البيت العتيق في مكّة.

ولولا نصوص وجوب الذبح بمنى لكنّا نقول بمقتضى هذه الآية: إنّ محلّ ذبح الهدي هو مكّة، كما أنّ تلك النصوص لا يمكن أن تؤدي إلى سلخ جملة ﴿مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ من معناها نهائياً، فمقتضى الجمع بين مفاد الآية المباركة وتلك النصوص: أن يكون المقصود مكّة بما حواليها إلى حدود منى، فيدخل منى في دائرة البيت العتيق بمعنى واسع. وعندئذٍ هل يتعامل مع الآية وتلك النصوص معاملة المطلق والمقيّد المعروفة في علم الأُصول؛ أي أنّ المقصود هو الذبح بمنى الذي يكون بمعنى واسع ذبحاً بالبيت العتيق ويكون في نفس الوقت ذبحاً بمنى، أو يكون التنصيص في الآية المباركة على حدّ البيت العتيق _ رغم دلالة تلك النصوص على الحدّ الثاني وهو منى _ دالّاً عرفاً على أنّ الحد الأوّل _ بما هو _ مطلوب وإن كان يجب مع الإمكان مراعاة كلا الحدّين؟

 


(1) وسائل الشيعة، ج14، ص156، الباب39 من أبواب الذبح، ح5، وص159، ح11.

(2) الحجّ: 33.

(3) وسائل الشيعة، ج14، ص88، الباب4 من أبواب الذبح، ح2.