المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

95

فإنّ الظاهر من ذلك أنّ ذاك البعض سيذبحه في مكّة، إمّا لأنّه يصعب عليه نقله إلى منى لأجل المنوب عنه _ خصوصاً في تلك الأيّام التي لم تكن فيها وسائل النقل حديثة ومتوفّرة كما هي اليوم _ فالشريعة لم تشأ تكليفه بالذبح في منى، وإمّا لأنّ قيد الذبح في منى يختص بأيّام منى _ أعني أيّام التشريق _ وقد انتهت. ومنشأ هذا الظهور سكوته(علیه السلام)عن إيجاب ذبحه في منى، رغم أنّ وجوب ذلك في هذه الحالة ليس من الواضحات، ففرض جعل الثمن عند بعض أهل مكّة ليذبح عنه ظاهره هو الذبح في مكّة، وإلّا لنبّه الإمام(علیه السلام)على ذلك.

فلئن سقط قيد منى بالعجز عنه في أيّام منى فهو المطلوب، ولئن سقط قيد منى بمجرّد صعوبة الالتزام بذلك من قبل النائب فسقوطه بالعجز عنه أولى.

وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن النضر بن قراوش _ ويكفي في توثيقه نقل أحمد بن محمد بن أبي نصر عنه _ قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فوجب عليه النسك، فطلبه فلم يجده وهو موسر حسن الحال، وهو يضعف عن الصيام، فما ينبغي له أن يصنع؟ قال: يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكّة إن كان يريد المضيّ إلى أهله، وليذبح عنه في ذي الحجة، فقلت: فإنّه دفعه إلى من يذبح عنه، فلم يصب في ذي الحجة نسكاً وأصابه بعد ذلك؟ قال: لا يذبح عنه إلّا في ذي الحجة ولو أخّره إلى قابل»(1).

وهذه الرواية أظهر من الأُولى في الذبح بمكّة؛ لمكان قوله: «يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكة»؛ فإن فرض تعلق «بمكّة» بـ «يدفع» أو كونه وصفاً للموصول أي: مَن يكون بمكّة، خلاف الظاهر، والظاهر تعلقه بـ «يذبحه».

ولا تعارضها صحيحة أبي بصير عن أحدهما(علیهما السلام) قال: «سألته عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي، حتّى إذا كان يوم النفر وجد ثمن الشاة، أيذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم؛ فإنّ أيّام الذبح قد مضت»(2).

وذلك لأنّ احتمال الفرق وارد بين من يجد الثمن لكنّه لا يحصل على الحيوان، ومن لا يجد الثمن أصلاً.

 


(1) المصدر السابق، ح2.

(2) المصدر السابق، ص177، ح3 و4.