الوجه الثالث: ما أفاده أيضاً السيد الخوئي(رحمه الله): من إسقاط هذه الطائفة عن الاعتبار؛ لمخالفتها لإطلاق السنّة المتواترة القطعية الواردة في التقصير في السفر.
الوجه الرابع: ما أفاده أيضاً السيد الخوئي(رحمه الله): من فرض سقوطها بالمعارضة مع الطائفة الأُولى والرجوع إلى مطلقات التقصير(1).
ولنا بحث مبنائيّ في الأُصول في أصل فكرة تساقط المتعارضين والرجوع إلى المطلق الفوقاني من إبداء احتمال جعل التعارض ثلاثي الأطراف.
فالعمدة من هذه الوجوه هي الوجه الثاني والثالث.
يبقى الكلام في الوطن الشرعي، ويقصد السيد الخوئي(رحمه الله) بذلك الوطن الاعتباري الفرضي البحت من قبل الشريعة ولو لم يعتبر العرف ذلك وطناً له أصلاً.
وقد حمل على ذلك صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع الماضية: «سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته؟ فقال: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام، إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى دخلها»(2).
أقول: إنّ حمل الاستيطان على معنىً فرضيٍّ واعتباريّ بحت خلاف الظاهر جدّاً، وبحاجة إلى قرينة قويّة، وفرقٌ بين حمل الكلمة على فرد اعتباري فرضيّ بحت وبين حملها على تدخّل شرعي في المصاديق العرفية كمصداق الملك حيث أبطلت الشريعة ملكية الخمر أو الخنزير مثلاً، أو التدخّل في التحديد ببعض الحدود المشكّكة كتحديد كثير الشكّ بالشكّ في كلّ ثلاث مرّات ونحو ذلك.
فالظاهر أنّ التدخّل في المقام من هذا القبيل، فلا إشكال في أنّ الاستيطان بحاجة عرفاً إلى مقدار من السكن، وهو مقدار مشكّك، فتدخّلت الشريعة بجعل مقداره ستّة أشهر.
(1) راجع موسوعة الإمام الخوئي، ج20، ص239.
(2) المصدر السابق، ج20، ص242.