المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

51

وأمّا خبر الفضل بن شاذان _ وهي الرواية الثانية والثالثة ممّا فرض حاكماً ومفسّراً وجاعلاً المقياس الحقيقي مقياساً زمانيّاً لا مكانيّاً _ فهو عبارة عن قوله(علیه السلام): «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك ولا أكثر؛ لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة والقوافل والأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم»، وزاد في العلل وعيون الأخبار: «وقد يختلف المسير، فسير البقر إنّما هو أربعة فراسخ...»، فتأكيده(علیه السلام)على أنّ التقصير إنّما يجب في ثمانية فراسخ لا أقلّ ولا أكثر كالصريح في أنّ الموضوع الحقيقي للتقصير إنّما هو سير ثمانية فراسخ، فالتعليل في المقام ينصرف إلى الحكمة لا العلّة التي هي بمعنى الموضوع الذي يدور مداره الحكم وجوداً وعدماً. والغالب في روايات علل الأحكام هو ذكر مجرّد الحِكَم والمصالح، وهذا لا يوجب انتزاع موضوع آخر للحكم، وسلخ الموضوع الأوّل عن كونه موضوعاً، على أنّ الخبر غير تام سنداً.

وبذلك لم يبق في المقام ما يدّعى كونه حاكماً ومثبّتاً للمقياس الزمنيّ الذي يختلف مقدار ما يستوعبه من المسافة في يومنا هذا عن ذلك اليوم إلّا صحيحة عبدالله بن يحيى الكاهلي: «أنّه سمع الصادق(علیه السلام)يقول في التقصير في الصلاة: بريد في بريد أربعة وعشرون ميلاً. ثم قال: كان أبي(علیه السلام)يقول: إنّ التقصير لم يوضع على البغلة السفواء، والدابّة الناجية، وإنّما وضع على سير القطار».

والواقع أنّ هذه الرواية لا إشارة فيها إلى الوحدة الزمانية من قريب أو بعيد، بل هي واضحة الدلالة على أنّ المقياس هو بريد في بريد، وبما أنّ البريد يعني المنزل الذي ينزله المسافرون عادةً للاستراحة وحطّ الرحل في نصف يوم، وكان يعتبر سفر يوم بريدين، كان هنا محلّ للسؤال، وهو أنّ البريد يختلف مقدار مسافته بالسير على البغلة السفواء والدابّة الناجية عنه بسير القطار الذي كان مع الجمال المثقلة، فأيّ بريد هو المقصود في المقام؟ ولماذا فسّر البريد بمعنى أربعة وعشرين ميلاً مع أنّ الأبردة تختلف؟! فأجاب الإمام(علیه السلام)بأنّه كان أبي(علیه السلام)يقول: إنّ التقصير لم يوضع على سير البغلة السفواء والدابّة الناجية، وإنّما وضع على سير الجمال المثقلة. ومن المعلوم أنّ سير الجمال المثقلة وقتئذٍ لا يختلف مقداره عنه في هذا الزمان، وإنّما فرق هذا الزمان عن ذاك الزمان هو غياب أصل سير الجمال وليس اختلاف مبلغه، ولم تكن في الرواية إشارة إلى مقياس زمنيّ قبل ذكره للبغلة السفواء والدابّة الناجية كي يصبح معنى العبارة صرف المقياس الزمنيّ إلى سير ما تعارف عليه السير مثلاً، وإنّما الوارد في الرواية هو البريد والأميال، فهذا الذيل إشارة إلى كيفيّة تطبيق البريد على الأميال.