المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

50

التحديد ببياض يوم تحديد أماريّ، أمارةً على مقدار الفراسخ المطويّة، فالأئمّة(علیهم السلام) جعلوا العلامة المشخّصة لمقدار السير بياض يوم، وجعلوا ذلك بلحاظ سير الجِمال المثقلة المألوفة وقتئذٍ، وهذا ليس لأنّ سير الجِمال هو الأكثر وقوعاً لدى المسافرين من سير الفرس مثلاً، بل لأنّ سير الجمال هو الذي كان يطابق في ما تعارف وقتئذٍ ثمانية فراسخ في اليوم.

وممّا يشهد لذلك ما أشرنا إليه من أنّ بياض يوم في الأيّام الطويلة يختلف كثيراً عنه في الأيّام القصيرة، ولكنّ الذي لم يكن يختلف هو: أنّ الجمال كانوا يسيّرونها في كلّ يوم منزلين يسمّى كلّ منزل ببريد، ولم يكونوا يسيّرون الجمال عادة في كلّ يوم بأكثر من ذلك ولا أقلّ، سواء طالت الأيّام كأيّام الصيف أم قصرت كأيّام الشتاء، فسمّي ذلك باسم مسير بياض يوم، وروايات مسير يوم، أو بياض يوم، أو البريدين، أو بريد في بريد، أو ما إلى ذلك كلّها إشارة إلى ما كان يعتبر معرَّفاً لتحقّق السير ثمانية فراسخ.

وبهذا اتّضح تفسير الرواية الثالثة التي فرضت من الروايات الحاكمة، وهي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام): «سألته عن التقصير؟ قال: في بريد، قال: قلت: بريد؟ قال: إنّه إذا ذهب بريداً ورجع بريداً فقد شغل يومه»، وهذا يعني أنّه(عليه السلام) يعطي علامة على كون البريد ذاهباً والبريد جائياً يساوي ثمانية فراسخ؛ لأنّه يشغل يومه والذي كان بسير الجمال عبارة عن المشي ثمانية فراسخ.

وأمّا خبر الفضل بن شاذان _ وهي الرواية الثانية والثالثة ممّا فرض حاكماً ومفسّراً وجاعلاً المقياس الحقيقي مقياساً زمانيّاً لا مكانيّاً _ فهو عبارة عن قوله(عليه السلام): «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك ولا أكثر؛ لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة والقوافل والأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم»، وزاد في العلل وعيون الأخبار: «وقد يختلف المسير، فسير البقر إنّما هو أربعة فراسخ...»، فتأكيده(عليه السلام) على أنّ التقصير إنّما يجب في ثمانية فراسخ لا أقلّ ولا أكثر كالصريح في أنّ الموضوع الحقيقي