المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

31

وأيضاً أريد أن أنقل _ قبل أن أنتقل إلى بحث الروايات _ اعتراضاً من قِبَل الشيخ الأعرافي على حمل التبيّن في الآية الشريفة على موضوعية التبيّن الحسّي، لا مطلق التبيّن والانكشاف، ونصّ اعتراضه ما يلي:

«إنّ القاعدة الأوّلية وإن كانت تقتضي حمل العناوين المأخوذة في الأدلّة على الموضوعية إلّا أنّ هذه غير جارية في العناوين الإدراكية التي تكون طريقاً إلى الواقع كالعلم والتبيّن والرؤية، فإنّ القاعدة العرفية فيها بالعكس تقتضي حملها على الطريقة والإراءة المحضة لا الموضوعية، وعليه فلا يستفاد من الآية أنّ التبيّن الحسّي مأخوذ في موضوع الحكم، ويؤكّد ذلك أنّه يلزم على القول باعتبار التبيّن الحسّي لزوم التأخّر في الليالي ذات الغيم الأبيض، فإنّ الجوّ في هذه الليالي يتنوّر طيلة الليل، ومن أجله لا يمكن رؤية ضوء الفجر في الأُفق، مع أنّه لا إشكال في أنّه مع إحراز طلوع الفجر واقعاً يحرم الأكل والشرب في الصوم، ويجوز الإتيان بصلاة‌ الفجر وإن لم يتبيّن ضوء الفجر في الأُفق بواسطة الغيم، ومن الواضح أنّه لا فرق هناك بين الغيم وضوء القمر؛ إذ كما أنّ الغيم لا يكون مانعاً عن تكوّن الفجر بل يكون مانعاً عن الرؤية فقط كذلك ضوء القمر، فإنّه أيضاً لا يكون مانعاً عن تكوّن الفجر بل يكون مانعاً عن الرؤية فقط، وعلى هذا فكما أنّ عدم رؤية الفجر بواسطة الغيم لا يوجب عدم ترتّب الحكم كذلك عدم رؤية الفجر بواسطة غلبة ضوء القمر، فإنّه أيضاً لا يوجب عدم ترتّب الحكم»(1).

أقول: بما أنّ الاكتشافات العلمية الموجودة في زماننا لم تكن موجودة في زمن الشريعة‌ فالإنسان الاعتيادي لم يكن يدرك معنى لحصول الفجر في الليالي المقمرة من دون التبيّن بالبصر، وكان على الشريعة أن تنبّههم على خطئهم، ولم تفعل ذلك، وهذا معناه إمضاء ما كانوا عليه عملاً.


(1) المصدر السابق، ص 116 _ 117.