المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

24

ومن الطريف ما قاله القائل من أنّ نص الغدير لم يعط لعليًّ(عليه السلام) ولاية الحكم، وإنّما أعطاه ولاية التبليغ؛ لأنّ الرسول لم يكن يمتلك من الأُمّة حقّ ولاية الحكم عليهم لما بعد موته كي يعطيها لعليّ(عليه السلام)، فإنّ الأُمّة إنّما أعطته بالبيعة ولاية الحكم في مدى حياته ولم تُعطِها إيّاه ملكاً وراثيّاً أو أبديّاً يكون من حقّه أن يعطيه بلحاظ ما بعد وفاته لابن عمّه أو لأيّ إنسان آخر.

أقول: لو فرض إمكان هذا التفسير لنصّ الغدير لولا قول الرسول(صلى الله عليه و آله): «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» فمن الواضح أنّ تفريع الرسول(صلى الله عليه وآله)إعطاء الولاية لعليّ(عليه السلام) على كونه(عليه السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم يبطل ذلك؛ لما أشرنا آنفاً من أنّ التعبير بـ ﴿َوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ صريح في ولاية الحكم.

وإنّما تورّط هذا القائل في ما تورّط فيه من نفي دلالة نص الغدير على أساس توهّم كون ولاية النبيّ الحكوميّة مأخوذة من الناس بالبيعة، لا من الله ابتداءً.

وأطرف من ذلك ما قاله هذا القائل أيضاً من أنّ بيعة الناس في يوم الغدير لعليّ(عليه السلام) لم تكن بيعة معه على السلطة والحكم، بل كانت بيعة معه على ولاية التبليغ؛ وذلك لأنّ الأُمّة في زمان الرسول(صلى الله عليه وآله)لم يكونوا يمتلكون ولاية الحكم؛ لأنّهم كانوا قد نقلوها من أنفسهم إلى الرسول بالبيعة، فلا يملكون شيئاً من هذا القبيل كي يعطوه لعليّ(عليه السلام) بالبيعة. نعم، بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)رجعت ولاية الحكم إليهم وملكوها مرّةً أُخرى بانفساخ العقد أو انتهائه بموت طرف العقد وهو الرسول، فكان بإمكانهم أن يعطوها لعليّ(عليه السلام) بعقد آخر أو بيعة أُخرى.

أقول _ بعد مماشاة هذا الأُسلوب من تسلسل التفكير وتسليمه _ : إنّه كان من الضروري أن يقول: إنّ بيعة الناس لعليّ(عليه السلام) في يوم الغدير كانت بيعة على الحكم لا على التبليغ؛ وذلك لأنّ حقّ ولاية الحكم وإن كان بالأصل للناس حسب تصوّر