المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

23

وثانياً: إنّ قضاء الرسول قد أُردف في الآية المباركة بقضاء الله، ولا شكّ أنّ نفوذ قضاء الله غير مشروط بالبيعة؛ لأنّ فرض اشتراط نفوذ قضاء الله بالبيعة يستلزم إمكان انحلال كلّ البشرية عن جميع الأحكام الإلهية بترك البيعة، وعندئذٍ لا يحقّ لله تعالى أن يعذّبهم على المعاصي، وهذا ليس خروجاً من ضرورة المذهب فحسب، بل خروج من ضرورة أصل الإسلام. فإذا تمّ عدم تقيّد نفوذ قضاء الله بالبيعة فوحدة السياق في المقام تقضي بعدم تقيّد نفوذ قضاء الرسول بالبيعة، بل ظاهر الآية هو أنّها افترضت قضاء الله وقضاء الرسول أمراً واحداً أو أمرين متلازمين، فالآية كالصريحة في نفي شرطيّة البيعة لنفوذ قضاء الرسول.

والثانية: قوله(وجل عز): ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾(1)، فإنّ هذه الآية أيضاً كالصريحة في نفي شرط البيعة؛ لأنّ البيعة إن كانت بمعنى إعطاء الولاية بالعقد الاجتماعي رجع روحها إلى روح التوكيل، ويكون وليّ الأمر وكيلاً من قبل الأُمّة عيّنوه للقضاء والحكم، ولا يصحّ أبداً لدى أبناء اللغة أن يقال: الوكيل أولى بالموكَّل من نفسه، بل يصحّ للموكّل في الفهم العقلائي العرفي عزل الوكيل متى ما شاء. إذاً فالمفهوم من قوله(وجل عز): ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ هو ولايةٌ فوق ما يعطى بالتوكيل أو بالعقد الاجتماعي، وإن هي إلّا ولاية أعطاها الله للمعصوم، وليس أعطاها الناس إيّاه بالبيعة. وليست هذه ولاية تبليغ الأحكام فحسب؛ لأنّ تعبير «أولى بهم من أنفسهم» يعطي معنى السلطة على النفس، وهذا أعلى ما يتصوّر من مستوى ولاية الحكم.

وأمّا السنّة: فنكتفي منها في المقام بنصّ الغدير الثابت بالقطع والتواتر، وهو قوله(صلى الله عليه و آله): «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ...»(2).


(1) الأحزاب: ٦.

(2) بحار الأنوار، ج37، ح17.