المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

19

وما معنى كتاب علي(عليه السلام) لمعاوية: «إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ. وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضاً، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين وولّاه الله ما تولّى»(1)؟

وروى ذلك أيضاً نصر بن مزاحم في كتاب وقعة صفّين مع شيء من التفصيل مصدّراً الكلام بقوله: «أمّا بعد، فإنّ بيعتي لزمتك وأنت بالشام؛ لأنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان... »(2).

فلو كانت هذه الكلمات _ بعد فرض صدورها _ تشير إلى العقد الاجتماعي ووجوب الوفاء بالعقد لطرفي العقد لأنّهم ارتبطوا به كارتباط المتبايعين بعقد البيع أو المتناكحين بعقد النكاح ونحو ذلك، لكان لمعاوية أو للناس الآخرين المخالفين أن يجيبوا عليّاً(عليه السلام): متى أصبحنا طرفاً للعقد كي تُلزِمنا بذلك؟! أفلا يكفي هذا قرينة على أنّ هذه النصوص _ إن صحّت _ فهي واردة احتجاجاً على معاوية أو على القوم على أساس إلزامهم بما التزموا من صحّة خلافة الخلفاء السابقين، وشرعيّة ما وقع لهم من البيعة وافتراض أنّ نفس البيعة أورث حقّ الحكم ولم تصدر هذه النصوص على أساس منطق يؤمن به نفس المتكلّم؟

وممّا يشهد لكون البيعة على أساس فكرة أخذ الميثاق فحسب لا على أساس فكرة تحصيل حقّ الولاية والحكم ما ورد من مطالبة علي(عليه السلام) معاوية بالبيعة، كما جاء في كتاب له(عليه السلام) إلى جرير بن عبدالله البجلي لمّا أرسله إلى معاوية: «أمّا


(1) المصدر السابق، ص 366.

(2) وقعة صفّين، ص29.