المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

18

الأقلّ والأكثر على أنّ الذي يحكمهم جميعاً هو رأي الأكثر. وهذا البيان الثاني هو المفهوم من الكلمات المنقولة عن روسو، ولكنّنا _ كما قلنا _ لسنا الآن بصدد مناقشة روسو.

ولو كانت البيعة ملحوظة لا كعقدٍ اجتماعي بين الأُمّة والمعصوم عقداً يورث الحقّ بل كتأكّد من وجود القدر الكافي من الناصر الذي به يستطيع المعصوم المبايع من الحرب مع الأعداء أو إقامة الحكم، لكان المترقّب اكتفاء المعصوم ببيعة من يكفيه للنهوض بالأمر رغم عدم اتّفاق أكثريّة ساحقة على تلك البيعة ولا توافق مسبق بين الفئتين على تحكيم رأي الأكثريّة ولو غير الساحقة.

والذي وقع في غالب البيعات التي ثبتت بالتاريخ القطعي للمعصوم هو الثاني لا الأوّل، فهذا رسول الله(صلى الله عليه وآله)قد بايعته أقلّيّة مسلمة وخالفته الأكثريّة الكافرة، واكتفى بذلك في تثبيت حكمه على أهل الكتاب بكونهم مخيّرين بين الالتزام بالإسلام أو الالتزام بإعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، ولم يكن هذا تبليغاً لتشريع الله لهم، إن شاؤوا عملوا به وإن شاؤوا خالفوه؛ إذ لو كان كذلك لما كان هناك أيّ داع لأحدهم للالتزام بالجزية.

وهذا علي(عليه السلام) اكتفى ببيعة من حضرها من المسلمين ولم يكن قد دخل أهل الشام في البيعة معه ولا كانوا قد أعطوا رضاً بنفوذ بيعة الآخرين عليهم، فما الذي أدخلهم في أحد طرفي العقد حتّى ينفذ العقد عليهم؟ وما معنى قول علي(عليه السلام): «أيّها الناس، إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شَغَب شاغب استُعتِب، فإن أبى قوتل. ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى یحضرها عامّة الناس فما إلى ذلك سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع، ولا للغائب أن يختار» (1).


(1) نهج البلاغة، ص247.