ملك فهذا باحترام آيتي الغدير، أعني قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...﴾(1)، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلَّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبَّكَ...﴾(2)، ولا شكّ في نزول الآيتين في أيّام الغدير.
وعلى أيّة حال فهذا أحد الاتّجاهين في التفسير في تاريخ نزول هذه السورة، وإن صحّ فمن الواضح أنّ آية ﴿لَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ لا يمكنها أن تنسخ آية ﴿َالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾.
والاتّجاه الثاني في تاريخ نزولها ما قاله الفخر الرازي من أنّ هذه السورة باستثناء الآية الثالثة نزلت بعد الفتح. وقال عن الآية الثالثة: إنّها نزلت بعرفات في حجّة الوداع(3).
ولعلّ تعصّبه هو الذي دعاه إلى هذا الكلام كي يفترض أنّ آية ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلَّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ...﴾ لا علاقة لها بالغدير؛ لأنّها نزلت بعد سورة الفتح، وأنّ آية ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ أيضاً لا علاقة لها بالغدير؛ لأنّها نزلت في عرفات.
وعلى أيّة حال فبناءً على هذا الاتّجاه يكون من المستبعد جدّاً أيضاً نسخ آية ﴿لَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ لآية ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾؛ لأنّ سورة الفتح نزلت بعد قصّة الحديبية على ما هو المشهور في التاريخ، وتدل عليه عدد من آيات نفس السورة، وقد مضى أنّ آية ﴿لَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ مرتبطة بقصّة الحديبية.
وأمّا الذي يستفاد من نفس الآية المباركة _ أعني الآية الخامسة من سورة المائدة _ فواضح لدى الالتفات إلى تمام الآية، قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيَّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ﴾
(1) المائدة: ۳.
(2) المائدة: ٦۷.
(3) التفسير الکبیر(مفاتيح الغيب)، ج۱۱، ص286.