المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

114

أقول: إنّ أغرب ما في هذا الحديث دليله الرابع على سقوط الذبح هناك، وهو دليل حرمة الإسراف والتبذير.

ونحن بدورنا نسأل: هل المقصود تسجيل إشكال الإسراف والتبذير على الحرق والدفن والإتلاف وترك الأضاحي إلى أن تجيف وما إلى ذلك ممّا هو إشكال على الحكومة؛ فهذا لا كلام فيه ولا علاقة له ببحثنا، أو المقصود تسجيل الإشكال على نفس الذبح؛ لأنّنا نعلم أنّه ينتهي إلى التلف من دون فائدة فيصبح الذبح إسرافاً وتبذيراً؟ والمفروض أن يكون هذا هو المقصود، فعندئذٍ نقول: إنّ النسبة بين دليل وجوب التضحية ودليل حرمة الإسراف والتبذير ليست هي التعارض ولا التزاحم _ وكأنّ مقصوده هو التزاحم الملاكي لا التزاحم المعروف عن مدرسة الشيخ النائيني(رحمه الله)_ بل النسبة هي الورود؛ فإنّنا لو افترضنا دليلاً على وجوب هذا الذبح ارتفع بذلك تكويناً موضوع الإسراف والتبذير، ولو افترضنا عدم تمامية الدليل على هذا الذبح لبعض الوجوه السابقة لم يكن هذا الوجه الرابع وجهاً مستقلّاً في مقابل تلك الوجوه.

نعم، لو أثبت أوّلاً عدم وجوب الذبح بأحد الوجوه الثلاثة الأُولى، فاشتهى أحدٌ الذبح هناك رغم عدم الوجوب وعدم الإجزاء، كان من الصحيح أن يقال له بحرمة هذا العمل بدليل كونه إسرافاً وتبذيراً.

وأمّا ما ذكره من الوجه الثالث؛ وهو أنّ الذبح في الوقت الحاضر لا يمكن أن يكون في منى، وعندئذٍ فلا دليل على خصوصية لمكان آخر فيجوز له الذبح ولو في بلده، فهذا ليس كلاماً مختصّاً به ولا راجعاً إلى الفتوى التي اشتهر بها وهي سقوط الذبح هناك؛ لعدم إمكان الإطعام، وهذا ما يقول به الكل من أنّه مع تعذّر الذبح هناك في أيّ دائرة قلنا بها للذبح _ من منى أو مكّة وما حواليها أو غير ذلك _ جاز الذبح في كلّ مكان.

نعم، قد يكون الخلاف معه في دائرة جواز الذبح هناك ولو لدى الضرورة؛ هل يجزئ مثلاً الذبح في مكّة أو في وادي محسّر؛ فلا تصل النوبة مع إمكان ذلك إلى