البصري جاء إلى أبي عبدالله(علیه السلام)وقد دخل مكّة بعمرة مبتولة، وأهدى هدياً، فأمر به فنحر في منزله بمكّة، فقال له عبّاد: نحرت الهدي في منزلك وتركت أن تنحره بفناء الكعبة وأنت رجل يؤخذ منك؟! فقال له: ألم تعلم أنّ رسول الله(صلى الله عليه و آله) نحر هديه بمنى في المنحر وأمر الناس فنحروا في منازلهم وكان ذلك موسّعاً عليهم؟! فكذلك هو موسّع على من ينحر الهدي بمكّة في منزله إذا كان معتمراً»(1).
وحاصل مفاد جواب الإمام(علیه السلام)_ الذي أراد به تقريب المطلب إلى ذهن عبّاد البصري الذي هو من العامّة _ : أنّه كما أنّ في منى يوجد منحر لذبح هدي الحجّ وهو فناء مسجد الخيف وذبَح رسول الله(صلى الله عليه و آله) هديه في ذاك المنحر الخاص _ وإن كان منى كله منحراً _ وأمَر المسلمين فذبحوا في منازلهم، كذلك في مكّة رغم وجود منحر خاص فيها في العمرة، وهو فناء الكعبة أو ما بين الصفا والمروة؛ تكون مكّة كلّها منحراً، فكان من حقّي أن أذبح في منزلي كما ذبح المسلمون في منى في منازلهم.
ورغم كلّ هذا، تبقى صورة للاستدلال على أولويّة مكّة بقوله(علیه السلام): «إنّ مكّة كلّها منحر» وذلك بأن يقال: إنّ المورد لا يخصّص الوارد، فإطلاق هذه الجملة _ لولا علمنا باختصاص النحر في الحجّ بمنى لدى الإمكان _ يدل على أنّ مكّة كلّها منحر من دون فرق بين الحجّ والعمرة، لكن خرج من الإطلاق فرض إمكان الذبح بمنى في الحجّ وبقي تحته فرض العجز عن الذبح في منى.
إلّا أنّ هذا مضافاً إلى أنّه لا ينسجم مع ما شرحناه في علم الأُصول _ من عدم تمامية الإطلاق في المحمول في مثل قوله مثلاً: التمر نافع، فهذا لا يدل على ثبوت جميع أقسام النفع للتمر، ويكفي في صدق هذه الجملة بإطلاقها ثبوت نفع ما للتمر، ففي المقام أيضاً يكفي كون مكّة منحراً في العمرة _ لا يتم في المقام؛ لأنّ أصل اشتهار
(1) وسائل الشيعة، ج13، ص99، الباب52 من أبواب كفارات الصيد وتوابعها، ح1.