وبلغ من التواضع أن كان يجلس مع أصحابه كواحد منهم، ولم يكن يجلس مجلساً يكد الغريبُ معه أن يميّزه عمّن حوله من جلسائه، فكان الأعراب عندما يطلبونه في مجلسه مع أصحابه لا يميّزونه، فينادون: أيّكم محمّد؟(1).
وعن ابن مسعود قال: «أتى النبيَّ (صلى الله عليه وآله) رجلٌ يكلّمه فاُرعِد، فقال: هوّن عليك، فلستُ بملك، إنّما أنا ابن امرأة كانت تأكل القدّ»(2).
(1) عن سلمان (رضي الله عنه) قال: «كنت ذات يوم عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل أعرابيّ على ناقة له، فسلّم ثمّ قال: أيّكم محمّد؟ فاُومئ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا محمّد! أخبرني عمّا في بطن ناقتي...». بحار الأنوار للشيخ محمّدباقر المجلسيّ 41:230 بحسب طبعة دار إحياء التراث العربيّ ببيروت.
وعن حُذَيْفة بن الَيمان قال: «...أقبل إلينا أعرابيّ يجرّ هراوة له، فلمّا نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليه قال: قد جاءكم رجل يكلّمكم بكلام غليظ تقشعرّ منه جلودكم، وإنّه يسألكم من اُمور، إنّ لكلامه جفوة. فجاء الأعرابيّ فلم يسلّم وقال: أيّكم محمّد؟ قلنا: وما تريد؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مهلاً، فقال: يا محمّد! لقد كنت أبغضك ولم أرَك، والآن فقد ازددت لك بغضاً. قال: فتبسّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغضبنا لذلك، وأردنا بالأعرابيّ إرادة، فأومأ إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن اسكتوا...». المصدر السابق 43:334.
(2) مكارم الأخلاق للشيخ الحسن بن الفضل الطبرسيّ: 16 بحسب طبعة منشورات الشريف الرضيّ بقم المقدّسة.
والقَدُّ بالفتح: الجِلْدُ غيرُ المَدْبُوغ، كانوا يأكلونه في الجَدْبِ والمجاعة. وقيل: هو جِلْد السَخْلة، وفي حديث عمر بن الخطّاب: «كانوا يأكلون القَدَّ» يريد جلد السخلةِ في الجدْب. والقِدُّ، بالكسر: سَيْرٌ يُقْطَعُ من جِلْد غيرِ مَدْبُوغ. والقديد: اللّحم المَمْلُوحُ الُمجَفَّف في الشمس.