المولفات

المؤلفات > المعاطاة وأثرها المعاملي

9

أقول: لو أردنا أن ننسج على هذا النسق أمكن أن يقال: إنّ روايات «إنّما يحرّم الكلام» أيضاً تدلّ على عدم انعقاد البيع بغير صيغة؛ فإنّ معناها أنّ صيغة البيع إن أدرج فيها أنّ للبذر ثلثاً وللبقر ثلثاً بطل البيع، فأصل أنّ البيع لابدّ له من صيغة فُرض مفروغاً عنه.

والواقع عدم تماميّة دلالة هذه الروايات على بطلان المعاطاة سواء رواية خالد بن الحجّاج ـ أو نجيح ـ أو روايات «إنّما يحرّم الكلام».

أمّا الاُولى: فلوضوح أنّ المعاطاة لا دلالة فيها في باب العينة على أنّ البيع الأوّل قد أوجب على الطرفين البيع الثاني، وإنّما هذه الدلالة تكون بمقاولة كلاميّة تسبق البيعين، فتلك المقاولة الكلاميّة المبنيّ عليها البيعان هي التي تحلّل أو تحرّم، أمّا أنّ البيعين هل هما بالصيغة أو بالكتابة والتسجيل أو بالمعاطاة؟ فالرواية أجنبيّة عن ذلك تماماً.

وأمّا رواية «إنّما يحرّم الكلام»: فأيضاً إنّما تنظر إلى المقاولة التي هي بطبيعة الحال كلام يعيّن البناء على كون ثلث للبذر وثلث للبقر في حين أنّ المعاطاة لا دلالة فيها على ذلك، وهي أيضاً أجنبيّة عن أنّ البيع الذي يقع مبنيّاً على هذه المقاولة هل هو بالصيغة أو بالكتابة والتسجيل أو بالمعاطاة؟

فإن قلت: إنّنا لا يهمّنا مورد الحديث «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام»؛ فإنّ المورد لا يخصّص الوارد، فالذي يهمّنا هو التمسّك بإطلاق جملة «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام»، فإطلاق هذه الجملة يقتضي أنّ الذي يحلّل البيع ويصحّحه إنّما هو الكلام والعقد اللفظيّ.

قلت: هذا يردّه ما أفاده السيّد الخوئيّ (رحمه‏ الله) من أنّ حصر المحلّل والمحرّم في الكلام يستلزم تخصيص الأكثر؛ لكثرة المحلّل والمحرّم في الشريعة المقدّسة من غير الألفاظ، ضرورة أنّ تنجّس المأكولات والمشروبات محرّم وتطهيرها محلّل، والتذكية محلّلة وعدمها محرّم، وغليان العصير العنبيّ محرّم وذهاب الثلثين محلّل، وصيرورة العصير خمراً محرّم وتخليله محلّل، والجلل محرّم لما يؤكل لحمه واستبراؤه محلّل، وخلط المال الحرام بالحلال محرّم وتخميسه محلّل، ووطء الحيوان الذي يؤكل لحمه محرّم، والدخول بالمرأة محرّم لتزويج بنتها، والإيقاب في الغلام محرّم لتزويج اُمّه وبنته واُخته، وقد جوّز الشارع المقدّس التصرّف في أموال الناس في موارد شتّى من دون أن يكون فيها محلّل كلامي، وذلك كالتصرّف في الأراضي الواسعة والأنهار الكبار وكأكل المارّة من ثمرة الشجرة الممرور بها، بل ورد في القرآن جواز الأكل من بيوت الأصدقاء والأحبّاء وإن لم يدلّ عليه إذن لفظيّ(1).

وأيضاً قد اتّفق المسلمون من الشيعة والسنّة على انثلام ذلك الحصر في باب العقود أيضاً؛ فإنّهم قد التزموا بجواز التصرّف في المأخوذ بالمعاطاة سواء أكانت المعاطاة مفيدة للملك أم كانت مفيدة للإباحة، ولم ينسب إلى أحد فساد ذلك إلا إلى العلامة في بعض كتبه(2)، وقد ثبت رجوعه عن هذا الرأي في بعض كتبه الاُخرى(3).

ودعوى انصراف الخبر عن الاُمور المذكورة لكيلا تلزم كثرة التخصيص دعوى جزافيّة(4).


(1) النور: 60 .
(2) العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين ـ قم، ط. / 1413 هـ. ق 5: 51. اُنظر: العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهّر الاسدي؟ نهاية الاحكام في معرفة الأحكام، مؤسسة آل البيت (عليهم ‏السلام) لإحياء التراث ـ قم، ط. / 1410 هـ. ق 2: 147.
(3) العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، مؤسسة الإمام الصادق (عليه ‏السلام)، ط. / 1420 هـ. ق، 2: 275.
(4) التوحيدي، محمّد علي، مصباح الفقاهة، المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف، 2: 148 ـ 149. وراجع أيضاً: الشاهرودي، علي، المحاضرات، مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف، 2: 71 ـ 72.