المولفات

المؤلفات > الاجتهاد و التقليد / بحث في التقليد

3

والارتكاز العقلائي تارة يفسّر بما تعارف بينهم في قضاياهم المعاشية والحياتية.

واُخرى يفسّر بأنّه لو تقمّص أحدهم قميص المولوية لجعل كلام أهل الخبرة حجّة على رعيته في الاُمور الراجعة بينه وبينهم بما هو مولى وبما هم عبيد.

مناقشة:

وقد يورد على التفسير الأوّل: أنّ العقلاء في الاُمور الهامة الحياتية والمصيرية ـ كدوران الأمر بين موت ولده بالدواء الذي أعطاه الطبيب أو شفائه ـ لا يلتجئون لدى الإمكان إلى التقليد. والأحكام الشرعية تكون من الاُمور التي هي فوق القضايا الحياتية والمصيرية؛ لأنه تتبعها الجنّة والنار، والاهتمام بهما أشدّ من الاهتمام بحياة الولد وموته.

و الجواب:

إنّ الجنّة والنار نتيجة التنجيز والتعذير الثابتين على جواز التقليد وعدمه، فهما لا يؤثّران على جواز التقليد وعدمه، والعقلاء بطبعهم يتعاملون مع أهداف الشارع ـ وهي الملاكات لا الجنّة والنار ـ كتعاملهم مع أهدافهم الاعتيادية في حياتهم، أي يفترضون صحة التقليد فيها مثلاً، فلو لم يرض الشارع بذلك كان عليه الردع. وسيرة المتشرّعة تكشف في المقام عن طريق، أنّه لولا سيرتهم على التقليد في الاُمور الشرعية ـ ولو نابعة عن الارتكاز العقلائي ـ لكان لديهم طريق آخر للعمل بالأحكام، من التزامهم جميعاً بالاحتياط أو مراجعة الإمام مباشرة أو الارتكاز أو غير ذلك، ولو كان كذلك لبان.

الدليل الثاني: الروايات الدالّة على ذلك من قبيل:

1 ـ ما في مرسلة الاحتجاج، وفي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): « فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه. حافظاً لدينه. مخالفاً لهواه. مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه. وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم » (1).

2 ـ صحيحة أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته، وقلت: من أعامل وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال: « العمري ثقتي، فما أدى إليك عنّي فعنيّ يؤدّي، وما قال لك عنّي، فعنّي يقول، فاسمع له وأطع؛ فإنه الثقة المأمون، قال: وسألت أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال: « العمري وابنه ثقتان، فما أديّا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك عنّي فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما؛ فإنّهما الثقتان المأمونان » (2).


(1) وسائل الشيعة 18: 95، ب 10 من صفات القاضي، ح 20. ( طبعة دار الكتب الاسلامية..
(2) وسائل الشيعة 18: 100، باب 11 من صفات القاضي، ح..