المولفات

المؤلفات > الاجتهاد و التقليد / بحث في التقليد

21

الأمر الثالث: في حدود الإجزاء الذي حققناه، وذلك من جهتين:

الجهة الاُولى: أنّ الرأي المتبدّل قد يفترض رأياً قطعياً واُخرى يفترض رأياً تعبّدياً، كما أنّ تبّدل الرأي قد يفترض عبارة عن العلم بخلاف الرأي الماضي وقد يفترض تعبّداً ضد التعبّد السابق. فهل الإجزاء ثابت في كلّ هذه الفروض أو في بعضها ؟

وهذا التقسيم يختص بفرض القول بالإجزاء لنفس الفقيه كما قلنا به فيما لو كان خطأ الفقيه راجعاً إلى خطأ الراوي في النقل.

أمّا المقلِّد فكلا الرأيين يكونان عادة ثابتين له بالتعبّد، وهو التعبّد بفتوى الفقيه. وعلى أيّة حال فقد يقال: لو كان الرأي الأول ثابتاً بالقطع لا بالتعبّد لم يكن مجزياً بعد انكشاف الخلاف؛ لأنّه لم يكن حكماً ظاهرياً حتى نقول فيه بالإجزاء، ومن هذا القبيل لو نفى جزء مثلاً بالبراءة العقلية ثم انكشف الخلاف أو كان الرأي الأول ثابتاً بالظن الانسدادي على الحكومة فإنّه لا دليل على إجزاء حكم العقل لدى انكشاف الخلاف.

ونحن نقول وفق ما عرفته من تمسكنا براوية يونس: « أما لكم من مفزع... »: إنّه متى ما كان المفزع وهو الراوي أو المفتي هو المخطئ ثبت الإجزاء سواء أورث كلامه القطع أو لا، ومهما كان الخطأ في نفس العامل المقلِّد أو الفقيه فلا إجزاء له بعد انكشاف الخطأ.

مناقشة وردّ:

وقد يقال: لو ثبت خطأ الرأي الأول بالقطع فلا إجزاء له؛ لأنّه لا شك في أنّه كان باطلاً، أمّا لو ثبت خطأه بالتعبّد فليس من المعلوم أنّ أيّ التعبّدين هو الصحيح؟ فالتعبّد الأول ينفذ في إجزاء ما وقع في زمانه كما أنّ التعبّد الثاني ينفذ في إجزاء ما وقع في زمانه.

وهذا الكلام غير صحيح؛ لأنّ التعبّد الأول بعد أن زال في الزمان الثاني، فكما لا ينفع للعمل الجديد في الزمان الثاني كذلك لا ينفع لنفي الإعادة و القضاء في الزمان الثاني، وإنّما ينفع للإجزاء بالعمل الأول مادام ذلك التعبّد موجوداً، لا بعد زواله إلا إذا ثبت بدليل تعبّدي إجزاؤه عن القضاء والإعادة.

ونحن أثبتنا إجزاءه بدليل تعبّدي، وهو إطلاق رواية يونس: « أما لكم من مفزع... »، فالمهم أن نرى أنّ هذا النص الدالّ على الإجزاء هل يوجد لدلالته إطلاق لما إذا ثبت خطأ الرأي الأول بالقطع أو لا ؟