المولفات

المؤلفات > الاجتهاد و التقليد / بحث في التقليد

11

ثمّ إنّ الحديث في التجزّي والإطلاق منصبّ عادة على الملكة؛ أمّا بلحاظ الفعلية فعادة يكون الإطلاق مسبوقاً بالتجزّي، ويكون رأي المتجزّئ حجّة لنفسه لا محالة، ولكن البيان الذي شرحناه ليس خالياً عن التأثير نهائياً في جانب الفعلية أيضاً.

ثمّ إنّ المشكلة تبرز بشكل أقوى لدى من يحاول تقليد المتجزّئ منها لدى نفس المتجزّئ، فيصعب في كثير من الأحيان للمقلِّد الملتفت الوثوق بالإحاطة الكافية للمتجزّئ على ما له دخل في استنباط ما استنبطه أو المران الكافي في الاعتماد على ما استنبطه.

والمشكلتان ذاتهما تبرزان كثيراً في قضائه أيضاً. وهناك روايتان في باب القضاء قد يستفاد من أحديهما أنّ المنصوب من قبل الإمام (عليه السلام) للقضاء هو الفقيه المطلق، وقد يستفاد من الاُخرى أنّ المنصوب من قبله يشمل المتجزّئ.

فالاُولى: مقبولة عمر بن حنظلة التي ورد فيها « ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً؛ فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً... » (1).

والثانية: رواية أبي خديجة التامة سنداً عن الصادق (عليه السلام) « إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم؛ فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه »(2).

ولوثبت شرط الإطلاق بالحديث الأول فظاهره إطلاق الفعلية لا الملكة.

والصحيح أنّ الحديثين معاً ينظران إلى النكتة الارتكازية، وهي المعرفة بالأحكام بالقدر الذي يركن إليه في مورد المرافعة. على أنّ رواية أبي خديجة وردت بصياغة تشبه المقبولة، وهي ما ورد في الوسائل عن محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن أبي الجهم عن أبي خديجة قال: بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا فقال: « قل لهم: إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق، إجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا؛ فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً، وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر »(3).


(1) الوسائل 18: 99، باب 11 من صفات القاضي، ح..
(2) المصدر السابق 18: 4، باب. من صفات القاضي، ح..
(3) المصدر السابق 18: 100، باب 11 من صفات القاضي، ح..