المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

710

وقد يكون طويلا ولكن قد مرّ بنحو توجد مدارك عرفية واضحة، فتكون الشهادة عن حسّ، فمثلا ترى أنّ التسلسل النسبي لاُسرة علوية قد يكون محفوظاً خلال مئآت السنين، فيستطيع أن ينسب نفسه إلى أبيه ثمّ إلى جدّه وجدّ جدّه، وهكذا الى مئآت السنين منذ دخل عالم الأنساب في السجّلات والتأليفات، ولكنّ كثيراً ما يتّفق أن تكون له حلقات مفقودة في الأزمنة السابقة الفوقانية التي يندر فيها التأليف والتصنيف، ونحن لو لاحظنا (400) سنة التي تفصل بين الشيخ الطوسي وبين الرواة الذين يشهد بوثاقتهم، ولاحظنا (700) سنة التي تفصل بين صاحب الوسائل وبين العلماء الذين يشهد بوثاقتهم نرى أنّه لا يوجد كثير فرق بين هذين الأمرين بعد الالتفات الى نكتة فارق كيفي بين الزمانين، وهو أنّ الزمان الذي سبق الشيخ الطوسى (رحمه الله) كان زماناً مجدباً من حيث التأليف والتصنيف في أحوال الرجال، أي: إنّ المنافذ التي منها يطلّ الإنسان على معرفة أحوال الرجال كانت في غاية القلّة والضيق، حتّى لم ينقل فهرست لأحد من أصحابنا غير البرقي(رحمه الله) من المتقدّمين، وفي مقابل هذا لمّا ننظر إلى (700) سنة التي تفصل بين صاحب الوسائل وبين العلماء الذين شهد بوثاقتهم نرى أنّه وإن كان الزمان أطول ولكن في مقابل ذلك توجد سعة المدارك وانتشارها واشتهارها، فقد وجدت مئآت من الكتب والمصنّفات والاجازات والاسنادات للكتب والتعليقات والهوامش التي يكتبها العلماء على الكتب، والتي تتبيّن منها وثاقة فلان وعدم وثاقة فلان، وعلم فلان، والاستناد إلى فلان، ونحو ذلك، فهذه المدارك أو فر منها في ذاك الزمان بعشرات المرّات، فمثلا في كتاب رياض العلماء في ترجمة شخص من العلماء اسمه عليّ بن أبي طالب بن محمّد بن أبي طالب التميمي، وهو على ما يظهر من ترجمته متأخّر عن ابن شهر آشوب، فأفرضوه في طبقة مقاربة للعلاّمة (رحمه الله)، وهذا الشخص يعبّر عنه بأنّه فاضل عالم محدّث فقيه، قال (أي في كتاب رياض العلماء): إنّه في عدد من نسخ عيون أخبار الرضا للصدوق يوجد فيه أسناد لهذا الكتاب يرجع إلى عليّ بن أبي طالب بن محمّد بن أبي طالب، وهو يرويه عن السيّد الفقيه فلان، وهكذا يسلسل علماؤنا (رضوان الله عليهم) واحداً بعد الآخر إلى أن يصل إلى الواسطة التي قبل الصدوق، فيقول: قال: حدثنا الإمام الزاهد أبو البركات الخوزي عن الصدوق(1).

ولا اُريد أن اكتفي بهذا المدرك في اثبات وثاقة أبي البركات، فانّي أثبت وثاقته بشهادة


(1) راجع رياض العلماء: ج 3، ص 336 ـ 337.