المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

680

تقييد العامّ الثاني بالمقدار المتيقّن من العامّ الأوّل على أساس القرينيّة وذي القرينيّة، فإنّ القضية المهملة ما دامت مردّدة بين المطلق والمقيّد لا تصلح قرينة للعامّ الآخر. نعم، يحصل لنا القطع بكذب عموم العامّ الآخر، فنكذّب عمومه بالقطع، لا بقانون القرينيّة والجمع العرفي، ولكن بعد أن ورد المخصّص للعامّ الأوّل وهو قوله: (لا يستحب إكرام العراقي البصري) فهذا المخصّص له دلالة التزامية عقلية، وفي نفس الوقت عرفية وواضحة، وهي دلالته على قضية شرطية، وهي أنّه لو استحب إكرام العراقي بنحو القضية المهملة لكان هذا الاستحباب في غير دائرة البصريين، وبما أنّنا نقطع بتحقّق شرط هذه القضية الشرطية تصبح هذه القضية الشرطية منافية للعامّ الثاني، وتتقدّم عليه بالقرينية، فإنّ العامّ الثاني لا يقوى على معارضة هذا الخاصّ الدالّ على تلك القضية الشرطية؛ إذ لا يمكنه أن ينفي الجزاء على تقدير تحقّق الشرط، ولا يمكنه أن ينفي تحقّق الشرط.

أمّا أنّه لا يمكنه نفي تحقق الشرط فلانّ تحققه مقطوع به حسب الفرض. وأمّا أنّه لا يمكنه أن ينفي الجزاء على تقدير تحقّق الشرط فلأنّ هذا أخصّ من العامّ، فيتقدّم على العامّ بالقرينيّة، ولا يمكن للعامّ أن ينفيه، وبهذا يثبت أنّ العامّ الثاني مخصَّص بمخصِّص غير محدّد المقدار في دائرة غير البصريين، فلو كان للقضية المهملة قدر متيقّن نقطع به اقتصرنا في التخصيص على ذاك المقدار، وإلاّ تشكّل العلم الإجمالي.

الحالة الثانية: أن يكون سنده غير قطعي، وتكون الإرادة الجدّية لأصل الحكم الذي يكون الكلام ظاهراً فيه قطعية. وهنا ـ أيضاً ـ نصل إلى نفس النتيجة التي وصلنا اليها في الحالة السابقة.

وتوضيح ذلك: أنّ العامّ الأوّل فيه دالّان و مدلولان: الدال الأوّل هو كلام الراوي، ومدلوله هو كلام الإمام، والدال الثاني هو كلام الإمام، ومدلوله هو الحكم العامّ المستفاد منه ببركة أصالة الجدّ. وهذا المدلول الثاني ليس قضية مهملة، وإنّما هو عبارة عن أحكام متعدّدة وجدّيات عديدة بعدد أفراد العامّ، وكلّ واحد منها معارض بمثله في العامّ الثاني، وانتزاع العقل لقضية مهملة من مجموع هذه القضايا الجزئية مطلب آخر، ولو كنّا نحن وهذين العامّين لسرت المعارضة إلى السند، فالعامّ الثاني ينفي الحكم الموجود في العامّ الأوّل، فلو كان الحكم قطعياً على تقدير الصدور فهو يدلّ على نفي الصدور. والمدلول الأوّل وهو كلام الإمام له لازم عقلي، وهو ثبوت استحباب إكرام العراقي في الجملة بنحو القضية المهملة؛ وذلك لفرض القطع بجدّية أصل الحكم على تقدير صدوره. إذن فالدّال الأوّل وهو كلام