المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

640

مدلوله الأوّلي العرفي إلى مدلول ثانويّ عرفي، من قبيل حمل الأمر على الاستحباب، أو المطلق على المقيّد، فإنّ دلالة الأمر على الاستحباب، أو المطلق على المقيّد دلالة عرفية، إلاّ أنّها ثانويّة ينسبق الذهن إليها بعد فرض رفع اليد عن الدلالة الأوّلية، ونحن نعلم بقرآئن لا مجال هنا لذكرها أنّ القرآن إنّما نزل على طبق المداليل العرفية الأوّلية أو الثانوية، لا على طبق مداليل تأويلية، من قبيل حمل البقرة في قوله تعالى: (إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) على شهوة البطن مثلا، ويكون فرض حمل القرآن على معنىً من هذا القبيل مستنكراً وبعيداً عن شأن القرآن، وبالتالي يكون صدور رواية معارضة للقرآن بنحو لو أخذ بها لزم تأويل القرآن بهذا الترتيب مستنكراً من أهل البيت(عليهم السلام). وأمّا فرض حمل القرآن على المدلول العرفي الثانوي فليس بعيداً عن شأن القرآن، وبالتالي ليس صدور رواية معارضة لو أخذ بها لزم حمل القرآن على المدلول الثانوي العرفي مستنكراً من أهل البيت(عليهم السلام) سواء فرضت الرواية بلسان القرينية، كما لو كانت أخصّ من القرآن، أو بلسان التعارض كما في العامّين من وجه، فبما أنّ هذه الطائفة تكون بلسان الاستنكار يكون هذا اللسان قرينة على عدم شمولها لروايات من هذا القبيل.

الطائفة الثانية: ما جعلت ميزان الأخذ بالحديث الموافقة للكتاب، لا عدم المخالفة، كرواية ابن أبي يعفور: «سألت أبا عبدالله عن اختلاف الحديث، يرويه من نثق به، ومنهم من لا نثق به، قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله، وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به»(1).

وهناك عدّة احتمالات في ماهو المقصود من (اختلاف الحديث)، فقد يراد بذلك تنوّع الأحاديث، أي: ترد علينا أحاديث متنوّعة، وقد يراد تعارضها فيما بينها، وقد يراد مخالفتها للكتاب أو السنّة القطعية.

وعلى أي حال، فذلك لا يغيّر من مفاد الذيل، فإنّ ذيل الحديث وهو قوله: «إذا ورد عليكم حديث» مطلق يشمل كلّ حديث.

وفي قوله: «وجدتم له شاهداً من كتاب الله» احتمالان، نؤجّل أحدهما إلى ما بعد الكلام عن الطائفة الثالثة، باعتباره كلاماً يرتبط بكلّ الطوائف الثلاث، ونذكر هنا الاحتمال الآخر وهو: أن يكون المقصود بوجود الشاهد هو وجود الشاهد حرفيّاً، أي: كون مفاد الحديث


(1) نفس المصدر: ح 11.